×
اَلْإِرْشَاد إِلَى صَحِيحِ اَلْاَعَتَقَادُ

 وهذا هو مذهب أهل السُّنَّة والجماعة في هذه القضيَّة، فلم يُفَرِّطوا تفريط القَدَرِيَّةِ النفاة، ولم يُفْرطوا إفراط الجبرية الغلاة.

فمذهب سلف الأمة وأئمتها أنَّ جميع أنواع الطاعات والمعاصي والكفر والفساد واقع بقضاء اللَّه وقدره، لا خالق سواه، فأفعال العباد كلها مخلوقة للَّه، خيرها وشرها، حسنها وقبيحها، والعبد غير مجبور على أفعاله، بل هو قادرٌٌ عليها وقاصدٌ لها وفاعلٌ لها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : «الأعمال والأقوال والطاعات والمعاصي هي مِنْ العبد، بمعنى أنَّها قائمة بالعبد وحاصلة بمشيئته وقُدْرته، وهو المُتَّصِفُ بها والمُتَحَرِّك بها الَّذِي يعود حكمها عليه، وهي مِنْ اللَّه، بمعنى أنَّهُ خلقها قائمةً بالعَبْد، وجعلها عملاً له وكسبًا، كما يخلق المسببات بأسبابها، فهي مِنْ اللَّه مخلوقةٌ له، ومِنْ العبد صفةٌ قائمةٌ به واقعةٌ بقدرته وكسبه، كما إذا قلنا: هذه الثمرة مِنْ الشَّجَرة، وهذا الزَّرْع مِنْ الأرض، بمعنى أنَّه حدث منها، ومِنْ اللَّه بمعنى أنَّه خلقه منها، لم يكن بينهما تناقض». انتهى.

وقال السفاريني رحمه الله : «والحاصلُ أنَّ مذهب أهل السَّلَف ومحقِّقي أهل السُّنَّة أنَّ اللَّه تعالى خلق قُدْرة العَبْد وإرادته وفعله، وأنَّ العَبْد فاعل لفعله حَقِيقة ومُحْدِثٌ لفعله، واللَّه سبحانه جعله فاعلاً له محدثًا له، قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ  [الإنسَان: 30]...، فأثبت مشيئة العبد، وأخبر أنَّها لا تكون إلا بمشيئة اللَّه، وهذا صريح قول أهل السُّنَّة في إثبات مشيئة العبد، وأنَّهَا لا تكون إلاَّ بمشيئة اللَّه». انتهى.


الشرح