قامَ إخوانُه الأئمَّةُ بمِثْلِ ما قامَ به، كُلٌّ في زمانِه، ثمَّ جاءَ مَن بَعدَهم أئمَّةٌ منهمُ الإمامُ: شيخُ الإسلامِ أحمدُ بنُ عبدِ الحليمِ بنِ عبدِ السَّلامِ بنِ تيميَّةَ، وهو من بَيتِ عِلمٍ، بَيتِ عِلمٍ مُتوارَثٍ بينَهم، فجَدُّه مَجدُ الدِّينِ ابنُ تيميَّةَ، الإمامُ المُحدِّثُ الفَقيهُ الَّذي له كتابُ «الْمُنْتَقَى» في الحديثِ، وله كتابُ «الْمُحَرَّرُ» في الفِقهِ، وله مُؤلفاتٌ عظيمةٌ؛ ولذلك يُقالُ: ابنُ تيميَّةَ الحَفيدُ ليَخرُجَ بذلك ابنُ تيميَّةَ الجدُّ الَّذي هو عبدُ السَّلامِ الإمامُ الجليلُ، وتيميَّةُ قيلَ: إنَّه اسمٌ لجدَّتِهم وكانت عالِمَةً تَقيَّةً، فنُسِبُوا إليها، وقيل غيرَ ذلك، وُلِدَ هذا العالمُ في سنةِ سِتِّمائةٍ وإحدَى وسِتِّينَ للهِجْرةِ (661 هـ) في أرضِ حرَّانَ من بلادِ الشَّامِ، وكانت مَوْطنَ آبائِه وأسرتِه، تَلقَّى العِلمَ من صِغَرِه على أبيه عبدِ الحليمِ، وعلى أعمامِه، وعلى مشايخِه، ثمَّ لمَّا جاءَ التَّتارُ مِنَ المَشرقِ وغَزَوْا بلادَ المسلمينَ، وداهَمُوا العراقَ والشامَ، انتَقلَ به أبُوه وإخْوَتُه من حَرَّانَ إلى دِمَشقَ فرارًا منَ التَّتارِ، وكان أحمدُ صغيرًا شابًّا، فتَلقَّى العِلمَ عن عُلماءِ دِمشق، وكان ذَكيًّا ذكاءً عظيمًا، أعطاهُ اللهُ الذَّكاءَ والحِفظَ والتَّنبُّهَ؛ فحازَ عُلومًا عظيمةً لا فنًّا واحدًا، فقد بَرَزَ في التَّفسيرِ، والحديثِ، والفِقهِ، واللُّغةِ، وحتَّى إنَّه دَرَسَ عِلمَ الكلامِ، وعِلمَ المَنطقِ، وعَرَفَ أُصولَه وعَرَفَ مَنهَجَه، وعَرَفَ المَناهجَ المُنحرفَةَ، إلى جانبِ دِراسَتِه لكتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِ اللهِ ومَنهجِ السَّلفِ الصَّالحِ، تَبحَّرَ في العُلومِ، وصارَ يُفْتي وسِنُّه لم تَصِلْ إلى العِشْرين، وجَلَس للتَّدريسِ، فبَهَرَ مَن حضرَ من العُلماءِ والطَّلبةِ والمُستفيدين بغَزارَةِ عِلْمِه، ودِقَّةِ فَهْمِه، وإلْمامِه بالمَذاهبِ والعُلومِ، ثمَّ صارَ يُناظِرُ الأكابرَ، حتَّى في مَذاهِبِهم، ويَعرِفُ منها ما لا يَعرِفُون.
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد