فَإِن قيل فَإِذا كَانَ جَمِيع مَا يُحِبهُ الله
دَاخِلاً فِي اسْم العِبَادَة فلماذا عطف عَلَيْهَا غَيرهَا؛ كَقَوْلِه: ﴿إِيَّاكَ
نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]، وَقَوله: ﴿فَٱعۡبُدۡهُ
وَتَوَكَّلۡ عَلَيۡهِۚ﴾ [هود: 123]، وَقَول نوح: ﴿ٱعۡبُدُواْ
ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ﴾ [نوح: 3]، وَكَذَلِكَ قَول غَيره من الرُّسُل،
****
«وَقال الفُضيلُ بْن عِيَاض»،
الفُضيلُ رحمه الله مِن العُلمَاء وَالعُبَّاد الصَّالِحين، يُفسِّر قَولَه
تعَالى: ﴿ٱلَّذِي
خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ﴾
[الملك: 2]، لَم يَقُل: أَكثَر عَمَلاً؛ لأِنَّ العِبرَة بِالأحْسَن وَهُو
المُوافِق لِلسُّنَّة، وَليست بالكَثْرة مَع مُخَالفة السُّنَّة، سُئل الفُضيلُ
رَحمه اللهُ عَن مَعْنى قوله: ﴿أَيُّكُمۡ
أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ﴾، فقَال: «أَخلَصه وأَصْوَبه»، قِيلَ: «مَا
أخْلَصهُ وَأصْوَبه؟»، قَال: «إِنَّ العَمل إِذا كَان خَالصًا ولَم يَكُن صَوابًا
لَم يُقبلْ، وَإِذا كَان صَوابًا وَلمْ يَكُن خَالصًا لَم يُقبَل، حتَّى يَكُون
خَالصًا صوابًا، والخَالِص أنْ يَكونَ للهِ، والصَّواب أنْ يَكُون علَى السُّنَّة»،
وهُوَ تَفسِير لِلآيَة الكَريمَة.
جَوابٌ
عَن إشْكَال:
«فإنْ قِيل: فَإذا كَان جَميعُ مَا
يُحبُّه اللهُ دَاخلاً فِي اسْمِ العِبادَة فَلمَاذا عَطَف عَليهَا غَيرَها»،
والعَطْف يَقتَضي المُغايَرة وَذلكَ أَنَّ الاسْتعَانة دَاخِلة فِي قَولِه
تَعَالى: ﴿إِيَّاكَ
نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]، فَلِمَاذا عَطف
الاسْتِعَانة عَلى العِبَادة؟ والجَوَاب عَن ذَلِك أَن يُقال: إِنَّ الشَّيء
يُعطَف عَلى نَفسِه مِن عَطف الخَاصِّ عَلى العامِّ أحْيَانًا؛ لأجْلِ الاهتِمَام
بِالخاصِِّ وإنْ كَان دَاخلاً فيهِ وَلأهمِيَّة الاستِعَانة عُطفَت عَلى العِبَادة
فَالعَطف يَقتَضي الاخْتِصَاص.
الصفحة 1 / 397