وَالله تَعَالَى جعل فِي ذُريَّته النُّبُوَّة
وَالكتاب، وَإِنَّمَا بعث الأَنْبِيَاء بعده بملته، قَالَ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ
أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ أَنِ ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۖ وَمَا كَانَ
مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾ [النحل: 123]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ
أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْۗ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [آل عمران: 68]،
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ
يَهُودِيّٗا وَلَا نَصۡرَانِيّٗا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفٗا مُّسۡلِمٗا وَمَا كَانَ
مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾ [آل عمران: 67]
****
·
سِياق
الآياتِ فِي مَدحِ إِبراهِيم وَمدْح دِينهِ:
قَال
تعَالى: ﴿إِنَّ
إِبۡرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةٗ قَانِتٗا لِّلَّهِ حَنِيفٗا وَلَمۡ يَكُ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾ [النحل: 120]، وَهذِه الآيَة أَيضًا فِي وَصفِ
إِبراهيمَ عليه السلام: ﴿كَانَ
أُمَّةٗ﴾، أي: قدْوَة؛ لأَِنَّ
الأُمة تُطلَق وَيُرادُ بهَا القُدْوة، وتُطلَقُ وَيُرادُ بهَا الجَمَاعَة مِن
النَّاس، وتُطلَقُ الأُمَّةُ وَيُراد بِها الفَترَة مِن الزَّمَن.
قَال
تَعَالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ
أُمَّةٍ﴾ [يوسف: 45]، فالمُرَاد
هُنَا القُدوَة، ﴿قَانِتٗا
لِّلَّهِ﴾ أي: مُداوِم عَلى طَاعَة
اللهِ سبحانه وتعالى، فَالقُنوت هُنا يُرادُ بهِ المدَاوَمَة علَى الطَّاعَة، ﴿حَنِيفٗا﴾ أي: مُقْبلاً عَلى اللهِ، مُعرِضًا عمَّا سِواه، ﴿وَلَمۡ يَكُ
مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾، كَان
مُتبرِّئًا مِن المُشرِكين وَمِن دِينِهم، فَالبَرَاءةُ مِن المُشرِكين وَمنْ
دِينِهم مِن دِين إِبرَاهيم الخَلِيلِ عليه السلام.
قَولُه: «واللهُ تَعَالى جَعَل فِي ذُرِّيَّتِه النُّبوَّة والكِتَاب»: وَمن
النِّعَم التِي أعْطَاها إيَّاه جَزاءً لَه أنَّهُ جَعل النُّبُوَّة مِن بَعدِه
فِي ذُرِّيَّتِه، فكُلُّ الأنْبِياءِ الذِين جَاؤُوا بَعدَ إِبرَاهيم عليه السلام
هُم مِن ذُرِّيَّته.
قَولُه:
«وَإنَّما بُعِث الأَنبيَاءُ بَعدَه
بِمِلَّتِه»؛ بِملَّة إِبرَاهيمَ التِي هِي التَّوحِيدُ وَإن اخْتَلفَت
شَرائِعُهم، فَملَّتُهم وَعقِيدَتُهم وَاحِدة وَهي التَّوحِيد الخَالِص للهِ عز
وجل.
الصفحة 1 / 397