شهر، هذا فضل من الله، ولكونها لم تتحدد في ليلة معينة كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحراها، وكان يعتكف العشر الأوسط رجاء أن يصادف ليلة القدر، ثم تبين له صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر، فنقل اعتكافه من العشر الأوسط إلى العشر الأواخر؛ يلتمس ليلة القدر التي ذَكَر الله فضلها ونوَّه بشرفها، وهو صلى الله عليه وسلم ينتهز الفرص الخيرة، ولا يترك شيئًا يَضِيع من عمره ولا يترك الفضائل ولا يترك الأوقات الفاضلة تذهب بدون أن يستفيد منها؛ مع ما له صلى الله عليه وسلم من الأعمال الجليلة والأعمال التي تعجز عنها الجبال، فهو صلى الله عليه وسلم كان أتقى الناس لله، وكان أخوف الناس لله عز وجل وأخشاهم له، ومع هذا كان يحرص على هذه الأوقات الفاضلة ويغتنمها ويتحراها، فحريٌّ بنا ونحن المقصرون ونحن أهل الكسل وأهل الغفلة وأهل الذنوب والمعاصي، حري بنا أن نتنبه لأنفسنا وأن نستغل هذه الأيام وهذه الليالي قبل أن تفوت ولن تعود، فنخسرها وهي من أعمارنا، ما يمر عليك لحظة أو يوم أو أسبوع أو شهر أو سنة إلا وذلك من عمرك ولن يعود إليك، ولكن إذا تبتَ إلى الله وأصلحت العمل وتداركت تابَ اللهُ عليك؛ وأمَّا إذا استمررت في المخالفة وفي الغفلة وفي الإعراض؛ ذهبَ عمرك كله خسارة عليك، كما قال سبحانه وتعالى:﴿وَٱلۡعَصۡرِ ١إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ ٢إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ ٣﴾[العصر: 1- 3]، فكل إنسان خاسر يوم القيامة إلا مَن اتصف بهذه الصفات الأربع: الإيمان بالله، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، فمن اتصف بهذه الصفات الأربع نجا من هذه الخسارة وربح واستفاد من عمره، واستفاد من مواسم الخير، وكانت حياته خيرًا له، ومَن ضيع هذه الفرص