حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَرَهُمْ، أَمَرَهُمْ مِنَ
الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ، قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا
تَأَخَّرَ، فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ يَقُولُ:
«إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا» ([1]).
****
قَالتْ
رضي الله عنها: «إِذَا
أَمَرَهُمْ، أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ»؛ بِمَا تَتَحمَّله
نَفوسُهم وأَبدَانُهم، أمَّا الشَّيءُ الذِي يُخرِجُ عَن الطَّاقةِ: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ
نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ﴾
[البقرة: 286]، لاَ نُكَلّفُ نَفسًا إلاَّ وُسعَهَا.
الإِنسَانُ
لاَ يَحمِلُ نَفسَه مَا لاَ تَطِيقُ، وَيَظنُّ أنَّ هَذَا طَاعةً للهِ، هَذَا
لَيسَ طَاعةً للهِ، بَل هَذَا مِن التكّلفِ والتشَدُّدِ، الاعتِدَالُ المَطلُوبُ
هُو الاعْتِدَالُ بَيْن التسَاهُلِ والتَّفرِيطِ، وَبَيْن التشَدُّدِ والإِفرَاطِ،
هَذَا عَملُ المسلِمِ اعتِدَال، وهُو عَملُ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، وهُو
أَتقَى الخَلقِ للهِ صلى الله عليه وسلم وعمَلُه الاعْتِدَالُ بَيْن الصّيامِ
وَالإِفطَارِ، بَيْن القِيَامِ والنّومِ، بَيْن تَزَوّجِ النسَاءِ وَبَيْن
الصَّبرِ والاحتِسَابِ فِيه.
قَالَت رضي الله عنها: «قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ»، هَذَا هُو السَّببُ، لمَّاحثَّهم علَى الاقتِصَادِ فِي العبَادَةِ، قَالُوا: نَحنُ بِحَاجةٍ إلَى التشَدُّدِ، وَإلَى...، أمَّا أَنت َفَلَستَ بِحَاجةٍ؛ لأن «اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ»، فَغَضِب َ صلى الله عليه وسلم مِن هَذِه المقَالةِ؛ لأنَّه هُو القُدوَةُ ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ﴾ [الأحزاب: 21]، ويَجِبُ أنْ يَقتَدُوا بِه، هَذَا مِن نَاحِيةِ.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (20).