×
شرح كتاب الإيمان من الجامع الصحيح

أَقسِطُوا فِي الصُّلحِ، لاَ يَكُن فِيهِ جُورٌ؛ ﴿ۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ [الحُجُرات: 9].

ثمَّ قَالَ: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ [الحجرات: 10]، وَهَذا شَاهِدٌ عَلَى أنَّ الاقتِتَالَ لاَ يُزِيلُ الأُخُوَّةَ بَيْن القَاتِلِ والمَقتُولِ.

﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ [الحجرات: 10]؛ سمَّى المُتَقاتِلَين إِخوَةً، فَدلَّ عَلَى أنَّ القَتلَ لاَ يُخرِجُ الإِنسَانَ مِن المِلّةِ، وَلَو كَانَ بِغَيرِ حَقٍّ، وَلَو كَانَ بَغْيًا وَعُدوَانًا، لاَ يُخرِجُ المُسلِمَ مِن الإِسلاَمِ؛ خِلاَفًا لِلخوَارِجِ، ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ [الحجرات: 10]، مَعَ أنَّهم يَقتَتِلُون، قَالَ: ﴿إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ [الحجرات: 10]؛ جَعَلَهم إِخوَانًا لنَا أَيضًا، ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ [الحجرات: 10].

فهَذِه الآيَةُ دَلِيلٌ وَاضِحٌ علَى أنَّ القَتلَ عَمْدًا عُدوَانًا، وَإنْ كَانَ مُحرَّمًا وَكَبِيرةً ومُوبِقةً مِن المُوبِقَاتِ، إلاَّ أنَّه لاَ يُخرِجُ صَاحِبَه مِن الإِيمَانِ، بَل يَكُون نَاقِصُ الإِيمَانِ، وَلاَ يَكُونُ كَافِرًا.

أمَّا قَولُه صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيثِ الآخَرِ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» ([1])، فَالمُرادُ الكُفرُ الأَصغَرِ، «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا»؛ أيْ: الكُفرَ الأَصغَرِ؛ لأنَّ الكُفرَ إذَا جَاءَ مُنكَّرًا، فهُو أصغَرُ، إذَا جَاءَ مُعرَّفًا بِالأَلفِ والّلامِ، فَهُو الأَكبَرُ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَ الْعَبْدِ، وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ» ([2])، فهي كفرٌ أكبر؛ لأنه مُعرَّف بالألف واللام،


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (121)، ومسلم رقم (65).

([2])  أخرجه: مسلم رقم (82).