المقدمة
****
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّم على
نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه أجمعين.
أما بعدُ:
فإن المسلمينَ في عصرِ الصحابةِ والتابعين كانت عقيدتُهم
معروفةً معلومة، هي ما جاء في كتاب اللهِ وسُنَّة رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
وما تركهم عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
كانت العقيدةُ معروفةً في عصر الصحابةِ والتابعين
والقرونِ المفضلة، القرونِ الأربعة، وإن كان دخل في آخِر هذه القرونِ شيءٌ من
الاختلافِ وظهورِ الفِرَق، كالخوارجِ والقَدَرِيَّة والشيعة، لكن كان الدينُ قويًّا
وكان الإسلامُ عزيزًا، وكان أهلُ الشّرِّ يختَفون ولا يُظْهِرون شرَّهم، فلما
انقضت القرونُ المفضلة ظهرتْ الشرورُ وجاهرَ أهلُ الضلالِ بضلالِهم، من جَهْمية
ومعتزَلة وباطِنية وشِيعة، وغيرِهم من الفِرَق الضّالّة، كالصُّوفية والقُبُورية
والنِّحَل الباطلة، ولكن كان الإسلامُ أيضًا قويًا في عصر الدولةِ الأموية، وكان
العلماءُ لهم جهدَهم ومكانتَهم، وكانوا يُقاوِمون هذه الأفكار، فكان الزنادقةُ
يُقتَلون في عهدِ الدولةِ الأموية؛ كما قُتل الجَعْدُ بنُ دِرهم وغيرُه لمَّا
جاهروا بزَندقتِهم.
ثم جاءتْ دولةُ بني العباسِ وكان أيضًا فيها قوة، في أولِّ الدولة قوة وللإسلامِ هيبة، والعلماءُ لهم مكانة، وكان الأشرارُ لا يتمكنون من إظهارِ شرِّهم بحُرِّيَّة، فلما جاء آخرُ دولةِ بني العباس جاء المأمونُ العباسي ابنُ هارون الرشيد، الذي خرج على أخيه الأمين وقتله وحاز السلطة، وكان رجلاً قويًّا وذكيًّا أيضًا وعالمًا، ولكن داخَلَه أهلُ
الصفحة 1 / 27