وليس
معنى ذلك أنَّها كَفَرَت، فقد يَدْخُل النَّار من هو مُؤْمِنٌ، إذا كان عِنْدَه
ذُنُوبٌ، ولكنَّه لا يَخْلُد فِيهَا، فَيُعَذَّب فِيهَا إلى ما شَاء اللَّه، ثمَّ
يَخْرُج منها، فلا يَخْلُد في النَّار إلاَّ الكُفَّار.
قوله صلى الله عليه وسلم: «دَخَلَتِ النَّارَ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ» هذا مثل ما سَبَق مَعَنَا
في الحَدِيث أنَّه دَخَل رَجُلٌ النَّار في ذُبَاب، وَدَخَل الجَنَّة رَجُلٌ في
ذُبَاب، وَهُنَا ذُكِرَت أنَّه بِسَبَب هِرَّة دَخَلَت المَرْأَة النَّار «حَبَسَتْهَا» حيث لم تُؤمِّن لَهَا ما
يَكْفِيهَا من الطَّعَام وَالشَّرَاب، فَدَلَّ هذا على أنَّ من أَسَاء إلى
البَهَائِم أنَّه يُؤَاخَذ، وَأَنَّ عَلَيْه هذا الوَعِيدُ، فلا يَنْبَغِي أن
يَسْتَخِفَّ الإِنْسَان بِهَذِه البَهَائِمِ فَيَظْلِمُهَا؛ لأنَّ الظُّلم قَبِيحٌ
سَوَاءٌ كان مع البَهَائِم أو مع غَيْرِهَا.
وفي هذا الحَدِيث دَلِيلٌ على أنَّه يَجُوز حَبْس
البَهَائِم بِشَرْط أن يُؤمِّن لَهَا ما يُبقيها على قَيْد الحَيَاة من المَأْكَل
وَالمَشْرَب، فهذه المَرْأَةُ لو أمَّنت لَهَا ما يَكْفِيهَا لمَاَ دَخَلَت
النَّار، فَدَلَّ هذا على أنَّه يَجُوز لِلإِنْسَان أن يَحْبِس الطُّيُور
وَالبَهَائِمَ وَلَكِن دون تَعْذِيبِهَا أو إهْلاَكِهَا أو تَعْرِيضِهَا لِلخَطَر.
قَوْلُه: «قَال
الزُّهْرِيُّ» هو مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، الإمامُ الجَلِيلُ، وَقَوْله:
«لِئَلاَّ يَتَّكِل أَحَدٌ» يَعْنِي:
لِئَلاَّ يَتَّكِل أَحَدٌ على عَمَلِه، بل يَنْبَغِي أن يَخَاف من الذُّنُوب وَإِنْ
كان مُؤمنًا، فهذه امْرَأَةٌ مُؤْمِنَةٌ دَخَلَت النَّار بِسَبَب هِرَّة، فلا
يَنْبَغِي أن يَأْمَن وَيَتَّكِل على عَمَلِه، بل يَخَاف أن يَدْخُل النَّار.
وَقَوْله: «ولا يَيْأَس أَحَدٌ» لأَِجْل أنَّ هذه امْرَأَةٌ بَغِيٌّ وكانت قد ارْتَكَبَت الكَبَائِر من الذُّنُوب، فَلَم تَيْأَس من رَحْمَة الله عز وجل، وَعَلَيْه فلا يَنْبَغِي لِلعَبْد
الصفحة 4 / 339