ثُمّ قال صلى الله عليه وسلم: «ومن بَطَّأ به عملُه لم يُسرِعْ به نَسَبُه» فاللهُ جل وعلا لا
يَنْظُرُ إلى الأَْنْسَاب، وإنَّما يَنْظُرُ إلى الْعَمَل، قال تَعَالَى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ
فِي ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ﴾ [المؤمنون: 101].
فالأنسابُ إنَّما هي من شَأْنِ الدُّنيا بين النَّاس؛
قال تَعَالَى: ﴿وَجَعَلۡنَٰكُمۡ
شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ﴾
[الحجرات: 13]، فلا مَانِعَ من تعلُّمِ الأَْنْسَابِ وَمَعْرِفَتِهَا، وَلَكِن دون
الاِفْتِخَارِ بها وَالاِقْتِصَارِ عَلَيْهَا، فهي لا تَكْفِي عند اللهِ تعالى ولا
وَزْنَ لَهَا يومَ الْقِيَامَة، وإنَّما الْمَقْصُودُ منها في الدُّنيا التعارفُ
وَالتَّوَاصُلُ بين الأَْقَارِبِ وَالأَْرْحَامِ وَالتَّعَاوُنِ على البرَّ
والتقوى، وَلَكِن لا يَنْفَعُ عند الْبَارِئِ عز وجل إلاَّ الْعَمَل.
فَقَوْلُه: «ومن بَطَّأ به عملُه» يَعْنِي: تأخَّر عملُه «لَم يُسرعْ به نَسَبُه» فَانْظُر إلى أَبِي لَهَبٍ وهو عمُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ومن صَمِيمِ بَنِي هَاشِم وَلَكِن لمَّا لم يَكُنْ عِنْدَه عَمَلٌ صَالِحٌ لم يَنْفَعْه ذَلِك، وَأُنْزِلَ اللهُ فيه قرآنًا يُتلى في ذَمِّه إلى يومِ الْقِيَامَة فَقَال: ﴿تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ﴾ [المَسَد: 1] أَي: خَاب وَخَسِر، وهو عمُّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَله نَسَبٌ شَرِيفٌ رَفِيْعٌ ولكنَّه لم يَنْفَعْه، ولا ضرَّ بلالاً وَسَلْمَانَ أَنَّهُم لَيْسُوا قَبليَّين وَلَيْسَوا من الْعَرَبِ وأنهم أَعَاجِم، فَالأَْوَّلُ من الْحَبَشَةِ وَالآْخَرُ من بِلاَدِ فَارِس، لَكِنَّ اللهَ جل وعلا رَفَعَهُم بِالْعَمَلِ الصَّالِح، ولا ضرَّهم أَنَّهُم ليس لهم نَسَبٌ عَرَبِيٌّ وَشَرِيف؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَطَّأ به عملُه لم يُسرِعْ به نَسَبُه» أَي: لم يقدِّمه «نَسَبُه».
الصفحة 4 / 339
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد