×
شرح أصول الإيمان

 والمرسلين، فهو يُخْبِرُ عمَّا جَرَى وَوَقعَ في الْمَاضِي كأنه مشاهَد من أَجَلِ أن يكونَ النَّاسُ على بَيِّنَة، وَأَن هذا الابْتِلاَءَ وَالاِمْتِحَانَ النَّاتِجَ عن الْفِتَن ليس جديدًا، وإنَّما هو شَيْءٌ جَرَى على الأُْمَمِ السَّابِقَة، فَمِنْهُم من هَلَك، ومنهم من نَجَا.

وَقَوْله: «وَخَبَر ما بَعْدَكُم» أَي: الْقُرْآن، وَيدْخُلُ في هذا السُّنَّةُ كَذَلِك؛ إذ كلٌّ منهمَا يُخْبِرُ عن الْمُسْتَقْبَل، وما يُمْكِن أن يكونَ في آخِر الزَّمَان من الْفِتَن، وما يُمْكِن أن يكونَ بعد الْمَوْت من أَحْوَالِ أَهْلِ الْقُبُور وما بعد ذلك من الْبَعْثِ وَالنُّشُور، وما يُمْكِن من الأَْهْوَالِ في الْقِيَامَة، كلُّ هذا تحدَّثَ عَنْه الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ وَالسَّنَةُ النَّبَوِيَّةُ الشَّرِيفَةُ حَتَّى كأنه مُشَاهَد.

وَقَوْله: «وحُكم ما بَيْنَكُم» أَي: أنَّه في حَالِ اخْتِلاَفِكُم فَإِنَّ الْقُرْآنَ يَحْكُمُ فِيْمَا فيه تَخْتَلِفُون، فَيُعْطِي صاحبَ الْحَقِّ حَقَّه، وَيُنَصِفُ المظلومَ من الظَّالِم، هذا في الْخُصُومَات، وأمَّا في الْمَقَالاَت فإنَّه يُبَيِّنُ الْمَقَالَةَ الصَّحِيحَة من الْمَقَالَةِ الْخَاطِئَةِ لأَنَّه إذا ما رَجَعَ إلى الْقُرْآنِ فإنَّه يَفْصِلُ بين النَّاسِ في الْخُصُومَاتِ وَالْمَقَالاَتِ وفي كلِّ شَأْنٍ من شُئُونِ حَيَاتِهِم، قال تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا [النِّسَاء: 59]، فَالْقُرْآنُ يَحْكُمُ بين النَّاس، ولهذا أَنْزَلَه اللَّه، فَلَم يُنْزِلُه سُبْحَانَه لِلتِّلاَوَةِ والتغنِّي به وَتَجْوِيدِه وَتَحْسِينِ الأَْصْوَاتِ بِقِرَاءَتِه فَقَط أو للتلذُّذِ بِسَمَاعِه، فَمَا أَنْزَلَه من أَجَلِ هذا فَقَط، بل أَنْزَلَه لِيَكُونَ حكمًا بين النَّاسِ فِيْمَا يُمْكِن أن يَخْتَلِفُوا فيه وليكونَ الْمَرْجِعَ إلَيْه.


الشرح