والمصلح بين الناس يقوم بعمل جليل يثاب عليه، ويؤجر عليه، حتى إن الله أباح
الكذب في إصلاح ذات البين، مع أن الكذب محرم، ولكن إذا كان فيه مصلحة راجحة فإنه
يشرع ويؤمر به لأجل الإصلاح، فالذي يسعى للإصلاح يجوز له أن يكذب ويقول: فلان يثني
عليك، فلان يحبك، فلان يود اللقاء بك، وإن كان لم يحصل شيء من ذلك، ولكن لأجل أن
يؤلف بين المختلفين والمتباغضين، والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن لنا خطورة فساد
ذات البين حيث قال صلى الله عليه وسلم: «فَسَادُ
ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ» ([1])، وفي رواية: «الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، هِيَ الحَالِقَةُ،
لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ» ([2]).
فالإصلاح بين
المسلمين، له نفع كبير في تلاحم المجتمع المؤمن وتراحمه وتناصره؛ ولهذا يسعى
المنافقون والنمامون والمغتابون بين المؤمنين للتفريق بينهم؛ لأنهم قد جندهم
الشيطان لهذا الغرض؛ فهم يحرشون بين المسلمين، ينقلون النميمة، ويغتابون في
المجالس منها أن يحدثوا التباغض بين المسلمين.
أما المؤمنون فهم
على العكس يسعون في الإصلاح بين المتنازعين، فإصلاح ذات البين أو الإصلاح عموما له
مجالات كثيرة، منها: الصلح بين المؤمنين والكفار إذا استدعى الأمر هذا، وذلك في
حالتين:
الحالة الأولى: إذا كان المسلمون لهم مصلحة في التصالح مع عدوهم فليتصالحوا، فقد صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين في صلح الحديبية، الذي سماه الله فتحًا مبينًا: ﴿إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا﴾ [الفتح: 1] فصلح الحديبية الذي جرى بين المسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (4921).