وَقَدْ أَحْدَثَ قَوْمٌ
مِنْ مَلاَحِدَةِ الْفَلاَسِفَةِ الدَّهْرِيَّةِ لِلشِّرْكِ شَيْئًا آخَرَ
ذَكَرُوهُ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ سِينَا، وَمَنْ
أَخَذَ عَنْهُ كَصَاحِبِ الْكُتُبِ الْمَضْنُونِ بِهَا وَغَيْرِهِ ذَكَرُوا
مَعْنَى الشَّفَاعَةِ عَلَى أَصْلِهِمْ فَإِنَّهُمْ لاَ يُقِرُّونَ بِأَنَّ
اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَلاَ أَنَّهُ
يَعْلَمُ الْجُزْئِيَّاتِ وَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ عِبَادِهِ وَيُجِيبُ دُعَاءَهُمْ.
فَشَفَاعَةُ الأَْنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ عَلَى أَصْلِهِمْ لَيْسَتْ كَمَا يَعْرِفُهُ
أَهْلُ الإِْيمَانِ مِنْ أَنَّهَا دُعَاءٌ يَدْعُو بِهِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ
فَيَسْتَجِيبُ اللَّهُ دُعَاءَهُ؛ كَمَا أَنَّ مَا يَكُونُ مِنْ إنْزَالِ
الْمَطَرِ بِاسْتِسْقَائِهِمْ لَيْسَ سَبَبُهُ عِنْدَهُمْ إجَابَةَ دُعَائِهِمْ.
بَلْ هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي حَوَادِثِ الْعَالَمِ هُوَ قُوَى
النَّفْسِ أَوْ الْحَرَكَاتُ الْفَلَكِيَّةُ أَوْ الْقُوَى الطَّبِيعِيَّةُ
فَيَقُولُونَ: إنَّ الإِْنْسَانَ إذَا أَحَبَّ رَجُلاً صَالِحًا قَدْ مَاتَ لاَ
سِيَّمَا إنْ زَارَ قَبْرَهُ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لِرُوحِهِ اتِّصَالٌ بِرُوحِ
ذَلِكَ الْمَيِّتِ فِيمَا يَفِيضُ عَلَى تِلْكَ الرُّوحِ الْمُفَارِقَةِ مِنْ
الْعَقْلِ الْفَعَّالِ عِنْدَهُمْ أَوْ النَّفْسِ الْفَلَكِيَّةِ يَفِيضُ عَلَى
هَذِهِ الرُّوحِ الزَّائِرَةِ الْمُسْتَشْفِعَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ
اللَّهُ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ - بَلْ وَقَدْ لاَ تَعْلَمُ الرُّوحُ
الْمُسْتَشْفَعُ بِهَا بِذَلِكَ - وَمَثَّلُوا ذَلِكَ بِالشَّمْسِ إذَا قَابَلَهَا
مِرْآةٌ فَإِنَّهُ يَفِيضُ عَلَى الْمِرْآةِ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ ثُمَّ إذَا
قَابَلَ الْمِرْآةَ مِرْآةٌ أُخْرَى فَاضَ عَلَيْهَا مِنْ تِلْكَ الْمِرْآةِ
وَإِنْ قَابَلَ تِلْكَ الْمِرْآةَ حَائِطٌ أَوْ مَاءٌ فَاضَ عَلَيْهِ مِنْ شُعَاعِ
تِلْكَ الْمِرْآةِ فَهَكَذَا الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُمْ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ
يَنْتَفِعُ الزَّائِرُ عِنْدَهُمْ.
وَفِي
هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ مَا لاَ يَخْفَى عَلَى مَنْ
تَدَبَّرَهُ.
**********
الشرح
قوله: «وَقَدْ أَحْدَثَ قَوْمٌ مِنْ
مَلاَحِدَةِ الْفَلاَسِفَةِ الدَّهْرِيَّةِ لِلشِّرْكِ شَيْئًا آخَرَ ذَكَرُوهُ
فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ». الشرك المعروف في زيارة القبور هو
الصفحة 1 / 690