فَمَنْ قَالَ لَيْسَ
لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ حَقٌّ يُسْأَلُ بِهِ؛ كَمَا رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى قَالَ لدَاوُد: «وَأَيُّ حَقٍّ لآِبَائِك عَلَيَّ؟» فَهُوَ صَحِيحٌ إذَا أُرِيدَ
بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَخْلُوقِ عَلَيْهِ حَقٌّ بِالْقِيَاسِ
وَالاِعْتِبَارِ عَلَى خَلْقِهِ كَمَا يَجِبُ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ
وَهَذَا كَمَا يَظُنُّهُ جُهَّالُ الْعُبَّادِ مِنْ أَنَّ لَهُمْ عَلَى اللَّهِ
سُبْحَانَهُ حَقًّا بِعِبَادَتِهِمْ. وَذَلِكَ أَنَّ النُّفُوسَ الْجَاهِلِيَّةَ
تَتَخَيَّلُ أَنَّ الإِْنْسَانَ بِعِبَادَتِهِ وَعِلْمِهِ يَصِيرُ لَهُ عَلَى
اللَّهِ حَقٌّ مِنْ جِنْسِ مَا يَصِيرُ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ
كَاَلَّذِينَ يَخْدِمُونَ مُلُوكَهُمْ وَمُلاَّكَهُمْ فَيَجْلِبُونَ لَهُمْ
مَنْفَعَةً وَيَدْفَعُونَ عَنْهُمْ مَضَرَّةً وَيَبْقَى أَحَدُهُمْ يَتَقَاضَى
الْعِوَضَ وَالْمُجَازَاةَ عَلَى ذَلِكَ وَيَقُولُ لَهُ عِنْدَ جَفَاءٍ أَوْ
إعْرَاضٍ يَرَاهُ مِنْهُ: أَلَمْ أَفْعَلْ كَذَا؟ يَمُنُّ عَلَيْهِ بِمَا
يَفْعَلُهُ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ بِلِسَانِهِ كَانَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ.
وَتَخَيُّلُ مِثْلِ هَذَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جَهْلِ الإِْنْسَانِ
وَظُلْمِهِ وَلِهَذَا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ عَمَلَ الإِْنْسَانِ يَعُودُ
نَفْعُهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْخَلْقِ كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى: ﴿إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ
أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ﴾ [الإسراء: 7]،
وقَوْله تَعَالَى: ﴿مَّنۡ عَمِلَ
صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَآءَ فَعَلَيۡهَاۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٖ
لِّلۡعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46]، وقَوْله تَعَالَى ﴿إِن
تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ
وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ﴾ [الزمر: 7]، وقَوْله
تَعَالَى ﴿وَمَن شَكَرَ
فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيّٞ كَرِيمٞ﴾ [النمل: 40]،
وَقَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى عليه السلام: ﴿وَإِذۡ تَأَذَّنَ
رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ
٧وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِن تَكۡفُرُوٓاْ أَنتُمۡ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا فَإِنَّ
ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ٨﴾ [إبراهيم: 7، 8]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ
يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِۚ إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡٔٗاۗ﴾ [آل عمران: 176]،
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ
حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ
غَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [آل عمران: 97].
**********
الشرح
قوله: «فَمَنْ قَالَ لَيْسَ لِلْمَخْلُوقِ عَلَى الْخَالِقِ حَقٌّ يُسْأَلُ بِهِ...». أي: إذا قيل: ليس للمخلوق حق على الخالق. فإن أريد به نفي ما لم
الصفحة 1 / 690