×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الأول

 وَلَكِنَّ هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي فِي الْحِكَايَةِ يُشْبِهُ لَفْظَ كَثِيرٍ مِنْ الْعَامَّةِ الَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الشَّفَاعَةِ فِي مَعْنَى التَّوَسُّلِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَشْفِعُ إلَيْك بِفُلاَنِ وَفُلاَنٍ أَيْ: نَتَوَسَّلُ بِهِ. وَيَقُولُونَ لِمَنْ تَوَسَّلَ فِي دُعَائِهِ بِنَبِيِّ أَوْ غَيْرِهِ: قَدْ تَشَفَّعَ بِهِ. مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَشْفَعُ بِهِ شَفَعَ لَهُ وَلاَ دَعَا لَهُ، بَلْ وَقَدْ يَكُونُ غَائِبًا لَمْ يَسْمَعْ كَلاَمَهُ وَلاَ شَفَعَ لَهُ.

وَهَذَا لَيْسَ هُوَ لُغَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَعُلَمَاءِ الأُْمَّةِ؛ بَلْ وَلاَ هُوَ لُغَةُ الْعَرَبِ فَإِنَّ الاِسْتِشْفَاعَ طَلَبُ الشَّفَاعَةِ. وَالشَّافِعُ هُوَ الَّذِي يُشَفِّعُ السَّائِلَ فَيَطْلُبُ لَهُ مَا يَطْلُبُ مِنْ الْمَسْئُولِ الْمَدْعُوِّ الْمَشْفُوعِ إلَيْهِ.

وَأَمَّا الاِسْتِشْفَاعُ بِمَنْ لَمْ يَشْفَعْ لِلسَّائِلِ وَلاَ طَلَبَ لَهُ حَاجَةً بَلْ وَقَدْ لاَ يَعْلَمُ بِسُؤَالِهِ فَلَيْسَ هَذَا اسْتِشْفَاعًا لاَ فِي اللُّغَةِ وَلاَ فِي كَلاَمِ مَنْ يَدْرِي مَا يَقُولُ.

نَعَمْ هَذَا سُؤَالٌ بِهِ وَدُعَاؤُهُ لَيْسَ هُوَ اسْتِشْفَاعًا بِهِ. وَلَكِنَّ هَؤُلاَءِ لَمَّا غَيَّرُوا اللُّغَةَ كَمَا غَيَّرُوا الشَّرِيعَةَ وَسَمَّوْا هَذَا اسْتِشْفَاعًا - أَيْ سُؤَالاً بِالشَّافِعِ - صَارُوا يَقُولُونَ: اسْتَشْفِعْ بِهِ فَيُشَفِّعْك. أَيْ: يُجِيبُ سُؤَالَك بِهِ، وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ وَضَعَهَا جَاهِلٌ بِالشَّرْعِ وَاللُّغَةِ وَلَيْسَ لَفْظُهَا مِنْ أَلْفَاظِ مَالِكٍ.

نَعَمْ، قَدْ يَكُونُ أَصْلُهَا صَحِيحًا وَيَكُونُ مَالِكٌ قَدْ نَهَى عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ كَمَا كَانَ عُمَرُ يَنْهَى عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي مَسْجِدِهِ، وَيَكُونُ مَالِكٌ أَمَرَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ تَعْزِيرِهِ وَتَوْقِيرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَلِيقُ بِمَالِكِ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ.


الشرح