فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ
النَّاسِ يَنْشَأُ عَلَى اصْطِلاَحِ قَوْمِهِ وَعَادَتِهِمْ فِي الأَْلْفَاظِ
ثُمَّ يَجِدُ تِلْكَ الأَْلْفَاظَ فِي كَلاَمِ اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ أَوْ
الصَّحَابَةِ فَيَظُنُّ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ أَوْ الصَّحَابَةِ
بِتِلْكَ الأَْلْفَاظِ مَا يُرِيدُهُ بِذَلِكَ أَهْلُ عَادَتِهِ وَاصْطِلاَحِهِ
وَيَكُونُ مُرَادُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالصَّحَابَةِ خِلاَفَ ذَلِكَ.
وَهَذَا
وَاقِعٌ لِطَوَائِفَ مِنْ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْكَلاَمِ وَالْفِقْهِ
وَالنَّحْوِ وَالْعَامَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَآخَرُونَ يَتَعَمَّدُونَ وَضْعَ
أَلْفَاظِ الأَْنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ عَلَى مَعَانِي أُخَرَ مُخَالِفَةٍ
لِمَعَانِيهِمْ ثُمَّ يَنْطِقُونَ بِتِلْكَ الأَْلْفَاظِ مُرِيدِينَ بِهَا مَا
يَعْنُونَهُ هُمْ وَيَقُولُونَ: إنَّا مُوَافِقُونَ لِلأَْنْبِيَاءِ.
وَهَذَا
مَوْجُودٌ فِي كَلاَمِ كَثِيرٍ مِنْ الْمَلاَحِدَةِ الْمُتَفَلْسِفَةِ
والإْسمَاعِيليَّة وَمَنْ ضَاهَاهُمْ مِنْ مَلاَحِدَةِ الْمُتَكَلِّمَةِ
وَالْمُتَصَوِّفَةِ مِثْلِ مَنْ وَضَعَ «الْمُحْدَثَ»وَ «الْمَخْلُوقَ»وَ«الْمَصْنُوعَ»عَلَى
مَا هُوَ مَعْلُولٌ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا وَيُسَمِّي ذَلِكَ «الْحُدُوثَ
الذَّاتِيَّ».
ثُمَّ
يَقُولُ: نَحْنُ نَقُولُ إنَّ الْعَالَمَ مُحْدَثٌ وَهُوَ مُرَادُهُ.
وَمَعْلُومٌ
أَنَّ لَفْظَ الْمُحْدَثِ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ لَيْسَ لُغَةَ أَحَدٍ مِنْ
الأُْمَمِ وَإِنَّمَا الْمُحْدَثُ عِنْدَهُمْ مَا كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ.
وَكَذَلِكَ
يَضَعُونَ لَفْظَ«الْمَلاَئِكَةِ»عَلَى مَا يُثْبِتُونَهُ مِنْ الْعُقُولِ
وَالنُّفُوسِ وَقُوَى النَّفْسِ وَلَفْظَ«الْجِنِّ»وَ«الشَّيَاطِينِ»عَلَى بَعْضِ
قُوَى النَّفْسِ.
ثُمَّ
يَقُولُونَ: نَحْنُ نُثْبِتُ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الأَْنْبِيَاءُ وَأَقَرَّ بِهِ
جُمْهُورُ النَّاسِ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ وَالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ.
**********
الشرح
قوله: «فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ
يَنْشَأُ عَلَى اصْطِلاَحِ قَوْمِهِ وَعَادَتِهِمْ فِي الأَْلْفَاظِ». كثير مع
الناس ينشأ مع الجهال والمخرفين، فيظن أن هذا
الصفحة 1 / 690