فالمساجد هي مصدر الإشعاع للخير، يتوافد إليها المسلمون من قريب ومن بعيد؛
ليعبدوا الله وحده لا شريك له، وليتلقَّوا التوجيهات من الدعاة والمرشدين
والمعلمين؛ فأنتم -أيها الأئمة والخطباء- توليتم مهمة عظيمة؛ لكم فيها عظيم الأجر
عند الله؛ إن أنتم قمتم بها على المطلوب، وإن أخللتم بها -ولا حول ولا قوة إلا
بالله، ونرجو أن يكون هذا بعيدًا-؛ فعليكم من الإثم ما لا يعلمه إلا الله.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجه الأئمة ويبين لهم عملهم وواجبهم حتى يقوموا به، والإمام مسؤول عن جماعته، وعن مسجده، فهو عهدة وأمانة في ذمته تولاها، فيجب عليه القيام بها على الوجه المطلوب، وإذا عرض له عارض يقتضي تخلُّفه عن الحضور من مرض أو سفر؛ فإنه يُخلِّفُ من يقوم بعمله ممن يثق به، كان صلى الله عليه وسلم إذا سافر خلف على الصلاة عبدا لله بن أم مكتوم رضي الله عنه، وإذا تخلف لمرض خلف أبا بكر الصديق رضي الله عنه يصلي بالناس، مما يدل على أن الإمام لا يترك جماعة مسجده ويتهاون في هذا الأمر إلا لعذر، وإذا كان معذورًا خلَّف من يقوم مقامه؛ وهذا لأهمية الإمامة، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» ([1])، فهو إمام لأنه يؤتم به -أي يقتدى به-، فهو قدوة لا في الصلاة فحسب؛ بل هو قدوة في الخير، يقتدي به الناس، بأفعاله وأقواله ينظرون إليه؛ فليكن على خير ما يرام من العلم والعمل، وإتقان العمل والقيام به، علم الناس الخير بفعله قبل قوله؛ ذلكم هو الإمام الصالح.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (378)، ومسلم رقم (417).