ثم قال جل وعلا: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنۡ حَيۡثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ ﴾ [البقرة: 199] أَيْ
قِفُوا بعَرَفَةَ، وادْفعوا منها إلى مُزْدَلِفَةَ؛ لأَنَّ المشركين كانوا يقِفون
بالمُزْدَلِفَةَ ولا يذهبون إلى عَرَفَةَ، فغيَّروا دِينَ إِبْرَاهِيْمَ عليه
السلام وقالوا نحن أَهْلُ الحَرَمِ فلا نخرج من الحَرَمِ، فلمَّا حجَّ النَّبيُّ
صلى الله عليه وسلم خالف المشركين، وجاوز إلى عَرَفَةَ، وكانوا يظنُّون أَنَّه
سيقف في مُزْدَلِفَةَ، فخالفهم صلى الله عليه وسلم وجاوز إلى عَرَفَةَ ووقف فيها
كما وقف فيها إِبْرَاهِيْمُ، وهذا فيه: دليلٌ على أَنَّ المسلمين أُمَّةٌ واحدةٌ،
لا تجوز مخالفتهم، فإذا وقفوا فيجب أن تقف معهم في الزَّمان وفي المكان، في الزمان
في اليوم التَّاسع، وفي المكان في عَرَفَةَ، التي هي السَّاحة التي جعلها اللهُ
للمسلمين يقفون فيها في اليوم التَّاسعِ، فالمسلم يكون مع المسلمين ولا يُخالف
المسلمين في مناسك الحجِّ، وفي غيرها من العبادات، ولا في زمانها ولا في مكانها،
بل يجب أَنْ يقفَ حيث وقَف المسلمون، وينصرفَ حيث انْصَرَفَ المسلمون، ولا
يُخالفهم ويأتي بعبادة من عند نفسه، ويتصرَّفُ في دِيْن اللهِ عز وجل بغير حقٍّ.
ثم قال: ﴿ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴾ [البقرة: 199] اطلبوا منه المغفرةَ، فهذا فيه: دليلٌ
على استحباب الاستغفار والإِكْثارِ منه بعد الفراغ من العبادات، تستغفر الله بعد
أَداءِ المناسك، تستغفر الله بعد الصَّلاة المفروضة، تستغفر الله في آخر اللَّيل،
تستغفر الله بعد كلِّ عبادةٍ تُؤَدِّيها؛ لأَنَّك عبدٌٌ ضعيفٌ ومظنَّةُ
التَّقْصير، وأَنْ لا تُوفِّيَ العبادةَ حقَّها، فتجبُر ذلك بالاستغفار، تستغفر
الله ممَّا قصَّرت فيه، أَوْ مما أَخْطأْتَ فيه، فإِنَّ اللهَ جل وعلا غفورٌ
رحيمٌ؛ ولهذا قال: ﴿
وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴾ [البقرة: 199] يغفر لمن طلب المغفرة منه ويرحمُ مَنْ
تضرَّع
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد