ولكنَّهم لم يلتفتوا إِليه، وإِنَّما يتَّبعون أَهْواءَهم وأَغْراضَهم
ومطامعَهم في هذه الحياةِ، فهذه الآيةُ فيها ذمُّ الاختلاف، وأَنَّ الواجبَ أَنْ
نجتمعَ على كتابِ الله، وفيها ذمُّ اتِّباع الهوى ورغباتِ النُّفوس، وأَنَّ
الواجبَ على المسلم أَنْ يكونَ اتِّباعُه للحقِّ، وإِنْ خالف الحقَّ هواه، يتَّبع
الحقَّ ولو خالف هواه؛ لأَنَّ الأُمَمَ السَّابقةَ ﴿كُلَّمَا
جَآءَهُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُهُمۡ فَرِيقٗا كَذَّبُواْ وَفَرِيقٗا
يَقۡتُلُونَ﴾ [المائدة: 70]، فهُمْ يتَّبعونهم فيما وافق أَهْواءَهم،
وما خالف أَهْواءَهم، فإِمَّا أَنْ يقتلوا رَسُولَهم وإِمَّا أَنْ يُكذِّبُوه، هذه
طريقةُ الأُمَمِ السَّابقةِ الهالكةِ، فالواجبُ علينا الاجتماعُ على كتاب الله
وسُنَّةِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السَّلفُ الصَّالحُ من
الصَّحابة والتَّابعين ولو خالف أَهْواءَنا، فإِنَّ هذا من مصلحتنا، واتِّباعُنا
لأَهْوائِنا من مضرَّتِنا، قال تعالى: ﴿وَلَوِ ٱتَّبَعَ
ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ﴾ [المؤمنون: 71].
قولُه: «فاستثناهم فقال: ﴿فَهَدَى ٱللَّهُ
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦۗ وَٱللَّهُ
يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٍ﴾ »، قال تعالى: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ
أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ
وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ
فِيهِۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ
ٱلۡبَيِّنَٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۖ﴾ [البقرة: 213] فبيَّن أَنَّ
اختلافَهم إِنَّما هو بسبب البَغْيِ والتَّعدِّي بعضَهم على بعضٍ واتِّباع
أَهْوائِهم، ليس لخفاءٍ في الحقِّ، لكنَّهم لا يريدون الحقَّ، ثم استثنى فقال: ﴿فَهَدَى ٱللَّهُ
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ هؤُلاءِ هُمْ أَتْباعُ الأَنْبياءِ وأَهْلُ السُّنَّةِ
والجماعةِ من هذه الأُمَّةِ،