فإِذا لم تقدر على الإِنْكار باللِّسان، كأَنْ تمنعَ من ذلك، فإِنَّك تنكر
بقلبِك، ولا تُقِرُّ المُنْكَرَ بحالٍ، فتنكره بقلبِك، فتعتزل مجالسَ المنكر،
وتبتعد عن أَهْلِ المنكر ولا تجالسُهم، لتَسْلَمَ بنفسِك.
هذه هي مراتبُ الأَمْرِ بالمعروف والنَّهْيِ عن المنكر، وهذا كما في قوله
تعالى: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ
مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ﴾ [التغابن: 16]، وقوله تعالى: ﴿لَا
يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ﴾ [البقرة: 286]،
فإِذا عملتَ بهذه الخطواتِ فقد أَنْكَرْتَ المنكرَ، وقد سَلِمْتَ.
أَمَّا إِذا لم تنكر لا باليَدِ ولا باللِّسانِ ولا بالقلبِ فهذا يدلُّ على
عدم الإِيْمان؛ كما في قوله: «وَلَيْسَ
وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِْيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ».
فالذي لا ينكر المنكرَ بقلبِه ليس عنده إِيْمانٌ أَصْلاً، فلا بدَّ من إِنْكار المنكر، لكن بهذا النِّظام الذي أَرْشَدَ إِليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولا يحتجُّ أَحدٌ بقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ﴾ [المائدة: 105]، يظنُّ بعضُ النَّاس أَنَّ هذه الآيةَ تدلُّ على أَنَّ إِنْكارَ المنكر ليس بلازمٍ، وأَنَّ الإِنْسانَ إِذا صلح في نفسِه فما عليه من الآخرين، ولا ينكر المنكرَ، ولا يَأْمُرُ بمعروفٍ، هذا خلافُ الكتابِ والسُّنَّةِ، والآيةُ الكريمةُ لا تعني هذا؛ كما بيَّن ذلك أَبُو بَكْرِ الصَّدِّيْقُ رضي الله عنه لمَّا سُئِلَ عنها، قال: لَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فقال: «كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ السَّفِيهِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا» ([1])
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (4336)، والترمذي رقم (3047)، وابن ماجه رقم (4006).
الصفحة 4 / 199