×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الثاني

استعدادٌ وتَجَرُّدٌ عن الهَوَى، لا يكُون هَمُّه أنه يَنْتَصِر، يكُون هَمُّه أنه يَنتصرَ الحَقّ، سَواءٌ كانَ معه أو مع خَصْمِه.

هذه المُناظرة الصحيحةُ؛ لهذا جاءَ عن الإمامِ الشَّافِعِيِّ أنه قالَ: «ما ناظرتُ أحدًا إلا أحببتُ أن يظهرَ الحَقّ على يدِه فأَنْتَفِع»؛ لأنه ليس قَصدُه الهَوَى وأنه يَنتصِر هو، بل قَصده ظهورُ الحَق، وبيانُ الحَق، سواءٌ معه أو مع غَيره.

وقوله تَعالى: ﴿مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ [غافر: 4] المُجادَلة في آياتِ اللهِ تَكون بإنكارِها، وتَكون بضَرْبِ بعضِ القُرآن ببعضٍ، ومُعارَضة بَعضه ببعضٍ هذا فِعل الكُفَّار؛ لهذا لما سمعُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَدعو في صَلاته يقولُ: «يا رَحمن يا رَحيم» قالوا: انظرُوا إلى هذا يَزعم أن له إلهًا واحدًا وهو يَقول: «يا رَحمن يا رَحيم» يُلبِّسون على الناسِ أن الرحمنَ إلهٌ مُستقِلٌّ، والرحِيم إلهٌ مستقلٌ، فأنزلَ اللهُ جل وعلا: ﴿قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ [الإسراء: 110].

قولُه: «وسَأَلَ رَجُل عُمَر بن الخَطَّاب» وهو صبيغُ بن عَسَلٍ الذِي كان مشهورًا بالجِدال، والفُضُولِيَّات في عَهْد عُمَر رضي الله عنه سألَه عن: ﴿وَٱلذَّٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا ١فَٱلۡحَٰمِلَٰتِ وِقۡرٗا ٢ ما هِي؟ وهو ليس بحَاجةٍ إلى هذا، كان الوَاجِب أن يسألَ عن أمورِ دِينه، وعن أمورِ عَقيدته، أما السؤالُ عن: ﴿وَٱلذَّٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا ١فَٱلۡحَٰمِلَٰتِ وِقۡرٗا ٢ فهذا مَيسور في كُتب التفسيرِ، ولا يَحتاج إلى الوقوفِ عِنده، فالوَاجِب أن يَسْأل عما هو أعظمُ من هذا والحَاجة إليه أكثرُ، ففُضول الأسئلةِ لا يَنبغي لطالبِ العِلم أن يُشْغِل نَفسه، ويُشْغِل مُدرِّسه بها، إنما يَسأله عن أمهاتِ المَسائل وعن المُهِمَّات.


الشرح