وإنما هي بعدها ومترتبة عليها، فإذا شاء الله شاء المخلوق، وإذا لم يشأ
الله لم يشأ المخلوق.
وفي هذا رَدٌّ على الجبرية الذين ينفون مشيئة المخلوق، ويقولون: ليس هناك
مشيئة ولا إرادة إلا لله، أما المخلوق فإنه مجبور على أفعاله، ليس له فيها اختيار
ولا مشيئة.
وفيه رَدٌّ على القدرية المعتزلة الذين يقولون: المخلوق له
مشيئة مستقلة عن مشيئة الله عز وجل، وأنه يخلق فعل نفسه.
فهؤلاء غَلَوْا في نفي مشيئة المخلوق، وهؤلاء غَلَوْا في إثبات مشيئة المخلوق،
وكلا الطرفين ضال، والحق إثبات مشيئة الله ومشيئة المخلوق، وجَعْل مشيئة المخلوق
بعد مشيئة الله عز وجل.
والذي يوافق الحق أن تَجعل مشيئة المخلوق مترتبة على مشيئة الخالق بـ «ثم»، أما إذا استَبدلتَ «ثم» بـ«الواو» فقد أشركت بين مشيئة الله ومشيئة المخلوق. وهذا من الشرك في
الألفاظ، وإن لم يعتقده المسلم، لكن الواجب عليه أن يتجنبه.
قوله: «وَتَقُولُونَ: وَالْكَعْبَةِ»
الحلف بالكعبة شرك، مع أن الكعبة بيت الله، لكنها مخلوقة، فلا يجوز الغلو فيها بأن
يُحلف بها، أو يُطلب منها الحوائج وقضاء الحاجات، كما يفعله الجهال والقبوريون
الذين يخاطبون الكعبة ويطلبون منها ويستغيثون بها، مما هو شرك أكبر أشد من الحلف
من الكعبة، فالذي يقول: يا كعبة الله افعلي كذا، يا كعبة الله أعطيني كذا! هذا شرك
أكبر، أما الحلف بها فهو شرك أصغر.