أما أن يُنْسَى الله، وتُنسب الأشياء إلى المخلوق ويُعَظَّم ويُطْرَى، وكأن
الله عز وجل ليس له أي منة - فهذا هو كفران النعمة.
ثم ذَكَر الشيخ رحمه الله تفاسير السلف لهذه الآية، فقال: «قال مجاهد: «هذا بعملي، وأنا محقوق به»
هو مجاهد بن جبر، التابعي الجليل، إمام المفسرين؛ لأنه روى عن حبر الأمة وترجمان
القرآن، عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فَسَّر هذه الآية بأن يَنسب العبد حصول
الشيء إلى عمله وكده وكسبه، وأنه مستحق له، فيكون بذلك قد أنكر نعمة الله عز وجل
عليه.
قال: «وقال ابن عباس: «يريد: مِن عندي»»
يعني: أن حصوله من عندي وبسببي. والمعنى واحد، لا فرق بينه وبين ما قاله مجاهد.
قال: «وقوله: ﴿إِنَّمَآ
أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ﴾ [القصص: 78] قال قتادة: «على علمٍ مني بوجوه المكاسب»»، لأنني حاذق
بالتجارة والاقتصاد، وعندي خبرة اقتصادية ومعرفة بالأسواق! فيرجع هذا إلى حذقه
ومعرفته بوجوه المكاسب، ولا يعترف لله عز وجل بفضل ومنة وكرم. وهذا من كفران
النعمة، والعياذ بالله.
فقد تجد أفقر الناس متخصصين في الاقتصاد وليس عندهم شيء. وقد تجد تجارًا
كبارًا لا يعرفون الاقتصاد ولا درسوه، ولا تخرجوا من جامعة. فدل هذا على أن حصول
النعم وزوال المحن لا يرجع إلى مجهودات البشر وخبرة البشر، إنما هذا من الله عز
وجل، ولكن مجهودات البشر وخبرة البشر لا تعدو أن تكون أسبابًا، قد تترتب عليها
نتائج وقد لا تترتب.