الله، وحُرم الجنة التي عرضها السموات والأرض،
واشترى قليلاً بكثيرٍ، وفانيًا بباقٍ، وخوفًا بأمنٍ، ألا ترون أنكم في أسلاب
الهالكين، وسيخلفكم بعدكم الباقون، كذلك حتى تردوا إلى خير الوارثين.
في كل يومٍ وليلةٍ
تشيّعون غاديًا ورائحًا إلى الله عز وجل، قد قضى نحبه، وانقضى أجله، حتى تغيبوه في
صدعٍ من الأرض، غير ممهدٍ ولا موسد، قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب، وسكن التراب،
وواجه الحساب، مرتهنًا بعمله، فقيرًا إلى ما قدم، غنيًا عما ترك، فاتقوا الله قبل
نزول الموت بكم، كأن الموت فيها على غيركم قد كتب، وكأن الحق فيها على غيركم قد
وجب، وكأن الذي تشيعون من الأموات سفرٌ عما قليلٍ إليكم راجعون، تبّوئوهم أجداثهم،
وتأكلون تراثهم، كأنكم مخلدون بعدهم، تنسون كل واعظةٍ، وتأمنون كل حادثةٍ، وكأنكم
لا تعقلون.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ» ([1])، رواه البخاري، قال جماعةٌ من العلماء في معنى هذا الحديث لا تركن إلى الدنيا، ولا تتخذها وطنًا، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها، ولا بالاعتناء بها، ولا تغتر بها، فإنها غرارة خداعةٌ، ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه، ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله، وبالله فاستعن.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (6053).