وموقف المسلم من هذه
الأقسام الثلاثة: أن يأخذ الحلال، ويترك الحرام، ويتوقف في المشتبه، حتى يتبين له
حُكمه؛ احتياطًا لدينه وعرضه؛ لأن تناول المشتبه يجُرُ إلى تناول الحرام بالتدريج،
لأن ارتكابه للشبهة ذريعة إلى ارتكابه الحرام، ومن تهاون بالصغائر يُوشك أن يُخالط
الكبائر. وفي هذا الحديث دلالة واضحة على خطورة الحرام من ناحيتين:
الناحية الأولى: طلبه صلى الله
عليه وسلم ترك المشتبه خشية الوقوع في المحرم.
الناحية الثانية: إخباره صلى الله
عليه وسلم أن المحارم هي حمى الله الذي لا تجوز استباحته، فالله سُبحانه وتعالى
حمى هذه المحرمات، ومنع عبادهُ من قربانها، وسماها حدوده، فقال ﴿تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ
فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ﴾ [البقرة: 187].
وروى الحافظ ابن
مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تلوت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه
وسلم: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا﴾ [البقرة: 168].
فقام سعد بن أبي
وقاص فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال: «يَا سَعْدُ
أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ
بِيَدِهِ إِنَّ الْرَّجُل لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ
مِنْهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ
وَالرِّبَا فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» ([1]).
وروى البُخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكرٍ رضي الله عنه غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيء،
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (614)، وأحمد رقم (14441)، الحاكم رقم (7162).