كما أن نفع المال
يجرى على صاحبه بعد موته، كلما انتفع به وارث أو حبس منه وقفا على جهة بر، قال صلى
الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ
وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدعهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ
النَّاسَ» ([1]) وقال صلى الله عليه
وسلم: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَث:
صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو
لَهُ([2])
أيها الإخوة، وإن المال إلى جانب
ما فيه من المنافع فيه كذلك أخطار عظيمة، ومسؤوليات ثقيلة، فمن لم يحترز من أضراره
أهلكته، فالمال يحمل على التكبر والطغيان، قال تعالى: ﴿كَلَّآ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَيَطۡغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰٓ ٧﴾ [العلق: 6، 7]، وقال تعالى: ﴿وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ
ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾ [الشورى: 27]، فالإنسان إذا رأى
أنه قد استغنى وكثر ماله فرح وطغى. والمال غالبًا يجر إلى المعاصي؛ لأن من قدر على
تحصيل شهواته المحرمة انبعث نفسه إليها، ومن العصمة إلا تقدر. والمال يحرك إلى
كثرة التنعم بالمباحات حتى تصير له عادة وإلفًا، فلا يصبر عنها، فيغرق في الترف،
والترف مذموم غاية الذم في مواضع كثيرة من القرآن، فالمترفون هم أعداء الرسل، قال
تعالى: ﴿وَمَآ
أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم
بِهِۦ كَٰفِرُونَ﴾ [سبأ: 34]، وقال تعالى: ﴿وَٱتَّبَعَ
ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ﴾ [هود: 116].
والمال يحمل صاحبه على المداهنة والنفاق؛ لأن من كثر ماله خالط الناس، وإذا خالطهم لهم يسلم من نفاق وعداوة وحسد وغيبة، وكل ذلك لحاجته إلى إصلاح ماله. والمال يلهي عن ذكر الله، لما
([1])أخرجه: البخاري رقم (1233)، ومسلم رقم (1628).