طريق أتيح له، من حلال أو حرام، من عدل أو ظلم،
لا يبالي بما اكتسب، فالحلال عنده: ما حل بيده بأي سبب، فهذا قد صار ماله وبالاً
عليه، إن أمسكه لم يبارك له فيه، وإن تصدق به لم يقبل منه، وإن خلفه بعده كان
زادًا إلى النار، لغيره غنمه وعليه إثمه وغرمه، فهذه فتنة المال في تحصيله.
وأما الفتنة في
تمويله: فمن الناس من كان المال أكبر همه وشغل قلبه، إن قام فهو يفكر فيه، وإن قعد
فهو يفكر فيه، وإن نام كانت أحلامه فيه، فالمال ملئُ قلبه، وبصر عينه، وسمع أذنه،
وشغل فكره، يقظة ومنامًا؛ وحتى في العبادة فهو يفكر في ماله: في صلاته، وفي
قراءته، وفي ذكره، كأنما خلق للمال وحده! فهو النهم الذي لا يشبع، والمفتون الذي
لا يقلع، ومع هذا الحرص الشديد والتعب الشاق، فلن يأتيه من الرزق إلا ما كتب له،
ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها.
ومن الناس: من عرف للمال حقه
ونزله منزلته، لم يكن أكبر همه، ولا مبلغ علمه، وجعل المال في يده لا في قلبه، فلم
يشغله عن ذكر الله، ولا عن الصلاة، والقيام بشرائع الدين وفروضه، فهو من الذين لا
تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، جعل المال وسيلة يتوسل
بها إلى فعل الخيرات ونفع القرابات، وإعانة ذوي الحاجات فهو قد استخدم المال ولم
يستخدمه المال، وعبد ربه ولم يعبد المال، وقد اكتسب المال من حله، وأنفقه في
وجوهه، وسلم من أذاه.
وأما الفتنة في إنفاق المال: فإن أصحاب الأموال منهم: البخيل الذي منع حق الله وحق عباده في ماله؛ فلم يؤد الزكاة، ولم ينفق على من يلزمه الإنفاق عليه من الأهل والمماليك والقرابات. ومن أصحاب