صحيح، وإنما الزمان
كله خلق الله تعالى، وفيه تقع أفعال بني آدم، فكل زمان شغله المؤمن بطاعة الله فهو
زمان مبارك عليه، وكل زمان شغله العبد بمعصية الله فهو شؤم عليه. فالشؤم في
الحقيقة هو معصية الله تعالى، فالمعاصي والذنوب تسخط الله عز وجل، وإذا سخط الله
على عبده شقي في الدنيا والآخرة، كما أن الطاعات ترضي الله سبحانه، وإذا رضي الله
عن عبده سعد في الدنيا والآخرة. والعاصي شؤم على نفسه وعلى غيره، فإنه لا يأمن أن
ينزل عليه عذاب فيعم الناس، خصوصًا من لم ينكر عليه عمله، فالبعد عنه متعين، وكذلك
أماكن المعاصي يتعين البعد عنها، والهرب منها خشية نزول العذاب، كما قال النبي صلى
الله عليه وسلم لأصحابه لما مر على ديار ثمود بالحجر: «لاَ تَدْخُلُوا عَلَى
هَؤُلاَءِ الْمُعَذَّبِينَ، إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ
تَكُونُوا بَاكِينَ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، لاَ يُصِيبُكُمْ مَا
أَصَابَهُمْ» ([1]). فهجر أماكن
المعاصي وهجران العصاة من جملة الهجرة المأمور بها، فإن المهاجر من هجر ما نهى
الله عنه. قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: من أراد التوبة فليخرج من المظالم،
وليدع مخالطة من كان يخالطه -يعني من العصاة- وإلا لم ينل ما يريد. فاحذروا
الذنوب؛ فإنها مشؤومة، وعقوبتها أليمة. والأماكن والبقاع في الأصل طاهرة نقية،
ولكن ذنوب العباد تدنسها وتفسدها بشؤمها، والأزمنة أوقات لعمل الخير، ولكن العبد
يدنسها بفعل الشر، كما قيل:
نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيب سوانا
فاتقوا الله عباد الله، واعمروا بيوتكم وأوقاتكم بطاعة الله، وعلقوا قلوبكم بالله خوفًا ورجاءً ومحبةً، ولوموا أنفسكم، واعلموا أن
([1]) أخرجه: البخاري رقم (423).