وإحسانًا، والعباد
مع فقرهم إلى الله وحاجتهم إليه يبتعدون عنه، ويبارزونه بالمعاصي ويضرون أنفسهم،
وهذا من جهلهم وغرورهم.
ثم أكد سبحانه وقرر
غناه عن طاعات عباده، وعظيم سلطانه الذي لا يصل إليه الضرر بحال من الأحوال، وأن
ملكه تام لا تزيده طاعة المطيع، ولا تنقصه معصية العاصي، وأن خزائنه لا تنقص مع
كثرة الأنفاق، فلو أن كل الخلق كانوا تقاةً ما زاد ذلك في ملكه، ولو كانوا كلهم
فجرة ما نقص ذلك من ملكه، ولو سألوه كلهم فأعطى كل سائلٍ حاجته ما نقص ذلك ما
عنده، فدل ذلك على أن ملكه كامل على أي وجه، لا يؤثر فيه شيء، وأن خزائنه لا تنفد
ولا تنقص بالعطاء ولو أعطى الأولين والآخرين والجن والإنس جميع ما سألوه في مقام
واحد، وفي ذلك حث الخلق على طلب حوائجهم منه سبحانه.
وآخر هذه التوجيهات الربانية: أن الله سبحانه وتعالى يحصي أعمال عباده خيرها وشرها ثم يجازيهم عليها، فالشر يجازي عليه بمثله من غير زيادة إلا أن يعفو عنه، والخير يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا يعلم قدرها إلا الله، تفضلاً منه وإحسانًا. ثم بين سبحانه أن الخير كله فضل من الله على عبده من غير وجوب استحقاق له عليه، فيجب أن يحمد الله عليه، وأن الشر كله من عند ابن آدم قدر عليه بسبب اتباع هوى نفسه، كما قال تعالى: ﴿مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَۚ﴾ [النساء: 79]، وهذا هو الذي يقع في يوم القيامة؛ فأهل الخير يقولون: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ لَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ﴾ [الأعراف: 43]، وأهل الشر ﴿يُنَادَوۡنَ لَمَقۡتُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُ مِن مَّقۡتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡ إِذۡ تُدۡعَوۡنَ