والاستعداد لها،
فهذه الطائفة القليلة نجت، ولحقت بنبيها صلى الله عليه وسلم في الآخرة حيث سلكت
طريقته في الدنيا، وقبلت وصيته، وامتثلت ما أمر به، وأما أكثر الناس فلم يزالوا في
سكرة الدنيا والتكاثر فيها، فشغلهم ذلك عن الآخرة، حتى فاجأهم الموت بغتةً على هذه
الغرة، فهلكوا، وأصبحوا ما بين قتيل وأسير.
ومعنى قول النبي صلى
الله عليه وسلم لابن عمر: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ
سَبِيلٍ»، أي: كن فيها على أحد حالين: إما أن تكون كأنك مقيم في بلد غربة همك
التزود للرجوع إلى أرض الوطن، أو تكون كأنك في مواصلة للسفر غير مقيم أصلاً بل
تسير دائمًا إلى بلد الإقامة، وفي كلا الحالين لا تنشغل بالدنيا.
ووصية ابن عمر التي في آخر الحديث: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ» ([1]) مأخوذة من أصل الحديث، ومعناها: أن الإنسان يقصر أمله، فإذا أدرك أول الليل لا ينتظر آخره، وإذا أدرك أول النهار لا ينتظر آخره، بل يتوقع أن أجله يدركه قبل ذلك، ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة الوصية عند النوم فقال صلى الله عليه وسلم: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» ([2]). زاد مسلم: قال ابن عمر: «مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ إِلاَّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي» ([3]). وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَالَ لأَِهْلِهِ: أَستودِعُكُمُ اللَّهُ، فَلَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ مَنِيَّتِي الَّتِي لاَ أَقُومُ مِنْهَا.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (6053).