الدين. إن الإنسان بطبيعته البشرية يحب التجارة،
وهناك تجارتان: تجارة عاجلة فانية، وتجارة آجلة باقية. ولكل تجارة زبائن، فأهل
الإيمان يؤثرون التجارة الآجلة الباقية -وهم القليل- وغيرهم يؤثرون التجارة
العاجلة الفانية وهم الكثير ﴿بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا ١ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ ١٧﴾ [الأعلى: 16، 17]. لكن من آثر تجارة
الآخرة أعطاه الله الدنيا والآخرة، ومن أراد الدنيا فقط لم يأته في الدنيا إلا ما
كُتِبَ له، وحُرِمَ تجارة الآخرة؛ قال تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلۡأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرۡثِهِۦۖ
وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِي
ٱلۡأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ [الشورى: 20].
ولما ذكر سبحانه مكاسب تجارة الآخرة، وهي النجاة من العذاب الأليم، ومغفرة الذنوب، ودخول الجنة والمساكن الطيبة في جنات عدن في الآخرة، قال: ﴿وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الصف: 13]، وهذا في الدنيا فتجارة الآخرة جمعت بين خيري الدنيا والآخرة، وإنه لربح ضخم هائل أن يعطى المؤمن الدنيا والآخرة، فالذي يتجر بالدرهم فيكسب عشرة يغبطه كل من في السوق ويعتبرونه ربحًا هائلاً، فكيف بمن يتجر في أيام قليلة معدودة في هذه الدنيا فيكسب خلودًا في نعيم الجنة الذي لا ينتهي مداه، ولا يعلم كميته إلا الله؟! إن المساهمة في هذه التجارة ميسرة، وأبوابها مفتوحة لكل راغب، والإعلان عنها مستمر كلما قرئ القرآن، والرب جل وعلا يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ينزل إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟