عليهم، وجمع جنوده
وسار في طلبهم، فأدركهم عند شروق الشمس، وقد انتهوا إلى البحر ﴿فَلَمَّا تَرَٰٓءَا
ٱلۡجَمۡعَانِ قَالَ أَصۡحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ﴾ [الشعراء: 61]؛ لأن العدو خلفهم،
والبحر أمامهم، والجبال عن يمينهم وشمالهم، وهي شاهقة، فقال لهم الرسول الصادق
المصدوق: ﴿كَلَّآۖ
إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ﴾ [الشعراء: 62] وتقدم إلى البحر، وهو يتلاطم وهو يقول: ها هنا
أُمِرت، فأوحى الله إليه: ﴿أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ﴾ [الشعراء: 63]. فلما ضربه انفلق،
وصار اثني عشر طريقًا على عدد أسباط بني إسرائيل، وصار البحر يابسًا، فسلكه موسى
بمن معه، فلما جاوزوه، وخرج آخرهم منه، دخله فرعون وجنوده في أثرهم وعندما
تكاملوا، أطبقه الله عليهم، فأغرقهم أجمعين، وبنو إسرائيل ينظرون إليهم. وهكذا نصر
الله رسوله وكليمه ومن معه من المؤمنين، وأهلك فرعون ومن معه من الكافرين.
وكان هذا الحدث العظيم والنصر المبين في اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهو يوم عاشوراء، وقد صام موسى عليه السلام هذا اليوم شكرًا لله عز وجل، ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومونه، فقال لهم: «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ» ([1]) ,فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. ويستحب صوم يومٍ قبله أو بعده، لما روى مسلم عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ
([1]) أخرجه: مسلم رقم (1130).