-وإن كانت
منفعتها عامة للمقيمين والمسافرين- تنبيهًا لعباده -والله أعلم بمراده من كلامه-
على أنهم كلهم مسافرون، وأنهم في هذه الدار على جناح سفرٍ، ليسوا مقيمين ولا
مستوطنين.. إلى أن قال ابن القيم رحمه الله: ولما كانت هذه الدار ممزوجًا خيرها بشرها،
وأذاها براحتها، ونعيمها بعذابها، اقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن خلص خيرها من شرها،
وخصه بدارٍ أخرى هي دار الخيرات المحضة، ودار الشرور المحضة، فكتب على هذه الدار
حكم الامتزاج والاختلاط، وأعقبه بالتمييز والتخليص، فميز بينهما بدارين ومحلين،
وجعل لكل دارٍ ما يناسبها، وأسكن فيها من يناسبها، وخلق المؤمنين المخلصين لرحمته،
وأعداءه الكافرين لنقمته. انتهى..
فاتقوا الله، عباد
الله، ولا تضيعوا دنياكم باللهو والغفلة والإعراض عن طاعة الله، فتخسروا آخرتكم؛
فإن الدنيا مزرعة للآخرة، من زرعها بالطاعة حصد الكرامة يوم القيامة، ومن زرعها
بالمعاصي حصد الخسارة والندامة. السفهاء من الناس جعلوا الدنيا أكبر همهم، ومبلغ
علمهم، فانشغلوا بها عن الآخرة، فخسروا الدنيا والآخرة. والعقلاء من الناس جعلوا
الدنيا مطية للآخرة، وتزودوا منها بالأعمال الصالحة، فربحوا دنياهم وآخرتهم.
أيها المسلمون: إن الدنيا لا تذم ولا تمدح لذاتها، فإنها وقت ثمين، ومنافع وإمكانيات مفيدة، وإنما الذي يذم أو يمدح هو تصرف ابن آدم فيها، فمن قصر همه عليها، أو تمتع بها فيما حرم الله، وضيع أوقاتها، فذلك هو المذموم، ومن أراد الآخرة واستعان بالدنيا على الوصول إليها، واشتغل في التزود النافع، فذلكم الممدوح.