وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تِيمِية:
«يَحْرُمُ حَلقُ اللِّحْيَةِ لِلأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ».
فَانْظُرْ حِكَايَةَ
الإِجْمَاعِ مِنْ هَذَيْنِ الإِمَامَيْنِ عَلَى مَنْعِ حَلقِ اللِّحْيَةِ، وَإِنْ
وَقَعَ فِي ذَلِكَ خِلاَفٌ شَاذٌّ فَلاَ يُعْتَدُّ بِهِ. وَيُؤَيِّدُ حَاكِيَةَ
الإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنْ أَحَدٍ مُمكنٍ يُعْتَدُّ بِهِ
مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ أَوْ الخَلَفِ أَنَّهُ حَلَقَ لِحْيَتَهُ.
وَأَمَّا قِيَاسُ
المُؤَلِّفِ: بِإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ عَلَى الأَمْرِ بِصَبْغِ الشَّيْبِ فِي أَنَّ
كُلًّا مِنْهُمَا يُفِيدُ الاسْتِحْبَابَ فَهُوَ قِيَاسٌ بَاطِلٌ؛ لأَِنَّهُ
قِيَاسٌ مَعَ الفَارِقِ؛ إِذِ الأَمْرُ بِإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ لَمْ يَأْتِ مَا
يَصْرِفُهُ عَنِ الوُجُوبِ إِلَى الاِسْتِحْبَابِ بِخِلاَفِ الأَمْرِ بِصَبْغِ
الشَّيْبِ، فَقَدْ جَاءَ مَا يَصْرِفُهُ عَنِ الوُجُوبِ إِلَى الاِسْتِحْبَابِ،
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ» (14/ 80): «وَقَالَ القَاضِي:
اخْتَلَفَ السَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الخِضَابِ وَفِي
جِنْسِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَرْكُ الخِضَابِ أَفْضَلُ، وَرَوَوْا عَنِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّهْيِ عَنْ تَغْيِيرِ الشَّيْبِ.
وَلأَِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُغَيِّرْ شَيْبَهُ. رُوِيَ هَذَا عَنْ
عُمَرَ وَعَلِيٍّ وأُبَيّ وَآخَرِينَ وَقَالَ آخَرُونَ: الخِضَابُ أَفْضَلُ
وَخَضبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ
لِلأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ...، إِلَى أَنْ قَالَ: قَالَ
الطَّبَرِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّ الآثَارَ المَرْوِيَّةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله
عليه وسلم بِتَغْيِيرِ الشَّيْبِ وَبِالنَّهْيِ عَنْهُ كُلّهَا صَحِيحَةٌ،
وَلَيْسَ فِيهَا تَنَاقُضٌ بَل الأَمْرُ بِالتَّغْيِيرِ لِمَنْ شَيْبُهُ كَشَيْبِ
أَبِي قحَافَة وَالنَّهْيُ لِمَنْ لَهُ شَمط فَقَطْ. قَالَ: وَاخْتِلاَفُ
السَّلَفِ فِي فِعْلِ الأَمْرَينِ بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ أَحْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ
مَعَ أَنَّ الأَمْرَ وَالنَّهْيَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ لِلوُجُوبِ بِالإِجْمَاعِ،
وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ خِلاَفَهُ فِي ذَلِكَ. ا هـ».