الوجْهُ الثَّالثُ: قولُ المؤلِّفِ: «والمفهومُ المشتركُ للذَّكاةِ وهو القصْدُ إِلَى إزهاقِ روحِ الحيوانِ بنية تحليلِ أكلِه»، هَذَا القولُ يقتضي أنَّه متى حصل إزهاقُ روحِ الحيوانِ بنيَّةِ تحليلِه حصلَتِ الذَّكاةُ الشَّرعيَّةُ بأيِّ وسيلةٍ كان الإزهاقُ، وفي أيِّ موضعٍ من بدنِ الحيوان! وهذا خطأٌ واضحٌ؛ لأنَّ الذَّكاةَ الشَّرعيَّةَ لها صفةٌ مخصوصةٌ وآلةٌ مخصوصةٌ وموضعٌ مخصوصٌ؛ كمَا بيَّنَ ذلك العلماءُ، قال ابن العربيِّ في تفسيرِ سورةِ المائدة في بيانِ الذَّكاةِ الشَّرعيَّة: «وهي في الشَّرعِ عبارةٌ عن إنهارِ الدَّمِ وفرِي الأوداجِ في المذبوحِ، والنَّحرِ في المنحورِ، والعقرِ في غيرِ المقدورِ عليه - كمَا تقدَّم - مقرونًا ذلك بنيَّةِ القصدِ إليه وذكرِ اللَّهِ تعالى. ثمَّ ذكر الخلافَ في حكمِ المذبوحِ من القفا - ثمَّ قال: وهذا ينبني على أصلٍ نحقِّقُه لكم، وهو أنَّ الذَّكاةَ وإن كان المقصودُ بها إنهار الدَّم ولكن فيها ضربًا من التَّعبُّد والتَّقرُّب إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ؛ لأنَّ الجاهليَّةَ كانت تتقرَّبُ بذلك لأصنَامِها وأنصَابِها وتهلُّ لغيرِ اللَّهِ فيها، وتجعلها قرْبتَها وعبادتها فأمرَ اللَّهُ تعالى بردِّها إليه والتَّعبُّد بها له. وهذا يقتضي أن يكونَ لها نيَّةٌ ومحلٌّ مخصوصٌ، وقد ذَبَح النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحلقِ، ونحرَ في اللّبةِ، وقال: «إِنَّمَا الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ» ([1]) فبيَّن محلَّها، وقال مبيِّنًا لفائدتها: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ» ([2])، فإذا أُهِمَلَ ذلك ولم يقع بيِّنةٌ ولا شرطٌ ولا صفةٌ مخصوصةٌ زالَ منها حظُّ التَّعبُّد». ا هـ.
([1])أخرجه: الدارقطني رقم (4754).