×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثاني

ثُمَّ نقُولُ للدُّكتُور: هل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ والقُرُون المُفضَّلة اهتمُّوا بهَذِهِ الآثار وأَحْيَوها أو أَمرُوا بإحيائها؟ حاشَا وكلاَّ، وأَلْف كلاَّ، فلم يكُن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْد البَعْثة يذهبُ إِلَى غار حراء وغار ثورٍ، ولاَ إِلَى الدَّار الَّتي وُلِدَ فيها، ولم يكُن الصَّحابةُ يَذْهبُون إليها، ولا يُحْيونها، بل إنَّ بُيُوتَهم تُباعُ وتُشْترى، وقَدْ تحوَّل إِلَى مَزَارعٍ أو غيرها كَمَا بِيعَتْ دارُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتي بمكَّة حيثُ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لمَّا قيل لهُ: أتنزلُ فِي دَارِكَ غدًا؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ» ([1]).

إنَّ الجديرَ بالدُّكتُور عُمَر كامل - وفَّقهُ اللَّه - وبأمثالِهِ أن يُسخِّرُوا أقْلاَمهُم وَكَلماتهم فِي نُصْرة سُنَن رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم الَّتي هي آثارُهُ الحقيقيَّةُ، والَّتي حثَّ عَلَى إحْيَائها والتَّمسُّك بها، فقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُْمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» ([2])، ومن البِدَعِ: إحْيَاء الآثار الَّتي ما أَنْزلَ اللَّهُ فِي إحْيَائها من سُلْطانٍ، وإنَّما عُرِفَ البُكَاءُ عَلَى الأطْلاَل، وآثار الدِّيار عن الشُّعراء الَّذين يَتَّبعُهُم الغَاوُون، ونَحْنُ حينما نُحذِّرُ مِنْ إحْيَاء الآثَار، فَإنَّنا لا نُكفِّرُ النَّاسَ، ولا نتَّهمُهُم بالكُفْر كَمَا يقُولُ الدُّكتُور، ولكنَّنا نُحذِّرُهُم - نَصيحةً لهُمْ - مِنْ وَسَائل الشِّرْك وأسبابِهِ.

ولمَّا رأى أَميرُ المُؤمِنِين عُمر بن الخطَّاب رضي الله عنه بعضَ النَّاس يَذْهبُون إِلَى الشَّجرة الَّتي وَقَعت تحتها بيعةُ الرِّضوان، قَالَ رضي الله عنه: «إنَّما هَلَك مَنْ كَانَ قَبْلكُم بتتبُّع آثار أنْبيَائهم»، ثُمَّ أمرَ بالشَّجرة فقُطعَتْ؛ سدًّا لذَريعة الشِّرْك، وخوفًا عَلَى الأُمَّة من الوُقُوع فيه.


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (1588)، ومسلم رقم (1351).

([2])أخرجه: أبو داود رقم (4607)، وابن ماجه رقم (42)، وأحمد رقم (17144).