فيها النَّبيُّ، أو جَلَس أو صلَّى فيها من غير
قَصْدٍ لتَخْصيصها، فإنَّها لا يجُوزُ إحياؤُها، ولا التَّبرُّكُ بها؛ لأنَّ
الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم لم يَشْرع ذَلِكَ، ولم يَفْعلهُ الصَّحابةُ، ولا
القُرُونُ المُفضَّلةُ، ونحنُ مُتَّبعُون لا مُبْتدعُون.
وَأمَّا قولُ الدُّكتُور: إنَّ الَّذي زَكَّى
جَزيرة العَرب عَلَى العُمُوم، وَالحجاز عَلَى الخُصُوص، وطَهَّرها من عبَادة
الأوْثَان هُو رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فنقُولُ للدُّكتُور: هل
البِقَاعُ يُتَصوَّرُ منها أَنْ تُشْرك حتَّى تحتاج إِلَى التَّزكية من الشِّرْك
أو الَّذي يُشْركُ هُو ساكنُ البِقَاعِ من الإنسان، إنَّ الَّذي يُشركُ هُو
الإنسانُ؛ سواءٌ كَانَ فِي جَزيرة العَرَب أوْ فِي الحجاز أوْ فِي غير ذَلِكَ،
والبِقَاعُ لا تُقدِّس أحدًا، كَمَا قَالَ الشَّاعرُ:
إنَّ المَوَاطن لا تُقدِّس ساكنًا *** ولا تَهْديه إنْ لم يهتدِ
خَرَج النَّبيُّ المُصْطفى من مكَّة *** وَبقي نحوُ أبي جهلٍ الشَّقيِّ
الأَطْرد
والإنسانُ مَهْما كَانَ؛ سواءٌ كَانَ فِي الجَزيرة العربيَّة، أو فِي
الحجَاز، هُو عُرضةٌ للفتن إنْ لَمْ يَحْمه اللَّهُ عز وجل، وأمَّا قولُكَ يا
دُكتُورُ: إنَّك لم تَتعرَّض إِلَى ذِكْرِ القُبُور أو بناء المَسَاجد
عَلَيْها لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، فنقُولُ لك: إنَّك تحثُّ عَلَى إحْيَاء
الآثَار، ومن أعْظَم الآثَار قبور الصَّالحين، فَهي دَاخلةٌ من باب أَوْلَى فِي
الآثَار، فإِذَا فَتحتَ البابَ لإحْيَاء الآثَار، دَخَل فِي ذَلِكَ إحياءُ
القُبُور، والنَّاسُ لا يَقفُون عند حدٍّ، بل هُمْ أحرصُ عَلَى الغُلُوِّ فِي
القُبُور من الغُلُوِّ فِي غَيْرها.
وقَوْلك يا دُكتُور عَنْ حَديث: «لَعَن الله اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ([1])، إنَّ هُنَاك تَساؤُلات واسْتفسَارات وإشْكَالات حَوْل مَتْن هَذَا الحَديث.
([1])أخرجه: البخاري رقم (435)، ومسلم رقم (531).