×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثاني

 إلاَّ المُكْرهُ، ومعلُومٌ أنَّ الإنسانَ لا يُكْرهُ إلاَّ عَلَى العَمل أو الكَلاَم، وأمَّا عَقيدةُ القَلْب فلا يُكْرهُ أَحدٌ عَلَيْها.

وَالثَّانية: قَوْلهُ تَعَالَى: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ [النَّحل: 107]، فَصَرَّح أنَّ هَذَا الكُفْرَ والعَذَابَ لم يَكُنْ بسَبَب الاعْتقَاد أو الجَهْل أو البُغْض للدِّين أو محبَّة الكُفْر؛ وإنَّما سَببهُ أنَّ لهُ حَظًّا من حُظُوظ الدُّنيا، فآثَرهُ عَلَى الدِّين». انتهَى من «كشف الشُّبهات».

وقَالَ رحمه الله لمَّا ذَكَر نَوَاقض الإِسْلاَم العَشْرة: «ولا فَرْق فِي جَميع هَذِهِ النَّواقض بَيْن الهَازل والجَادِّ والخَائف إلاَّ المُكْرهُ، وكُلُّها من أعْظَم ما يكُونُ خطرًا، وأَكْثَر ما يكُونُ وُقُوعًا، فيَنْبغي للمُسْلم أنْ يَحْذَرها، وَيَخاف منها عَلَى نَفْسِهِ، نَعُوذُ باللَّه من مُوجبَات غَضَبه، وَأَليم عقابِهِ».اهـ.

وقَدْ وجدَ فِي هَذَا الزَّمان من المُنْتسبين إِلَى العِلْمِ مَنْ يقُولُ: «إنَّهُ لا يَكْفُرُ الإنسانُ مَهْمَا قَالَ أو فَعَل من أنْوَاع الكُفْر إلاَّ إِذَا كَانَ مُكذِّبًا فِي قَلْبه».

وَعَلَى هَذِهِ المَقُولة الشَّنيعَة يكُونُ أَبُو جهلٍ وَأبُو طَالِبٍ وغَيْرهما من أَصْنَاف الكَفَرة مُؤْمنين؛ لأنَّهُم لا يُكذِّبُون الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فِي قَرَارة أَنْفُسهم، وَإنَّما يَجْحدُون رسالتَهُ فِي الظَّاهر تَكبُّرًا وعنادًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ [الأنعام: 33].

وَقَالَ فيمَنْ قَبْلهُم من أعْدَاء رسَالاَت الرُّسُل: ﴿وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ [النَّمل: 14].


الشرح