الثاني: أنه لما سئل عن تفسيرِ قولِه تعالى: ﴿يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن
جَلَٰبِيبِهِنَّۚ﴾ [الأحزاب: 59] غطَّى وجهِه وأبدَى عينًا واحدة.
وقد قال شيخُ
الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه الله جمعًا بين القولين: كان النساءُ في أولِ الإسلامِ
يُبدينَ وجوهَهن فلما نزلتْ آيةُ الحجابِ غَطَّين وجوهَهن، فابنُ عباسٍ ذكرَ أولَ
الأمرين، وابنُ مسعودٍ ذكر آخِرَ الأمرين، قلت: ويدُلُّ على هذا قولُ عائشةَ في
حادثةِ الإِفْك: «فَخَمَّرْتُ وَجْهِي وَكَانَ صَفْوَانُ يَعْرِفُنِي قَبْلَ
الحِجَابِ» ([1])، فدَلَّ على أنَّ
للحجابِ بداية.
8- وأما قولُ
العباسي في مطلَعِ كلامِه مُعلِّقًا على قولي: «يحكم بيني وبينه الكتابُ والسنة»
بأن هذا مثل قول الخوارج لعلي رضي الله عنه: «لا حكم إلاَّ لله»، ويا عجبًا هل
الذي يطلبُ الرجوعَ إلى الكتابِ والسُّنةِ لحسْمِ الخلافِ وبيان الحَقِّ يشبه
بالخوارج، واللهُ تعالى يقول: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ
بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ﴾ [النساء: 59]، لكن
ليس هذا بأعجبِ من تشبيهِه المخالفين له في فهمِ النصوصِ بالجهميةِ والمعتزلة
وغيرِهم كما مَرَّ في كلامِه.
9- قال العباسي
معقبًا على قولي: إنَّ حديثَ الخَثْعمية ليس فيه أنها كانتْ كاشفةً لوجهِها، قال
عفا اللهُ عنه: «هذا يُذكِّرُنا بمذهبِ الظاهريةِ الذين يقفون عندَ حدودِ
حرفيَّةِ الألفاظِ دونَ النظرِ في مراميها». وأقول:
أولاً: ليس هذا بأغربِ من تشبيهِنا بالجهميةِ ونحوِهم، وتشبيهنا بالخوارج، وهذه المرَّة شبَّهَنا بالظاهرية، هكذا أدبُ الحوارِ عندَ الشيخِ العباسي سامحَه الله.
([1])أخرجه: البخاري رقم (4141)، ومسلم رقم (2770).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد