×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثالث

 الثاني: أنه لما سئل عن تفسيرِ قولِه تعالى: ﴿يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ [الأحزاب: 59] غطَّى وجهِه وأبدَى عينًا واحدة.

وقد قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه الله جمعًا بين القولين: كان النساءُ في أولِ الإسلامِ يُبدينَ وجوهَهن فلما نزلتْ آيةُ الحجابِ غَطَّين وجوهَهن، فابنُ عباسٍ ذكرَ أولَ الأمرين، وابنُ مسعودٍ ذكر آخِرَ الأمرين، قلت: ويدُلُّ على هذا قولُ عائشةَ في حادثةِ الإِفْك: «فَخَمَّرْتُ وَجْهِي وَكَانَ صَفْوَانُ يَعْرِفُنِي قَبْلَ الحِجَابِ» ([1])، فدَلَّ على أنَّ للحجابِ بداية.

8- وأما قولُ العباسي في مطلَعِ كلامِه مُعلِّقًا على قولي: «يحكم بيني وبينه الكتابُ والسنة» بأن هذا مثل قول الخوارج لعلي رضي الله عنه: «لا حكم إلاَّ لله»، ويا عجبًا هل الذي يطلبُ الرجوعَ إلى الكتابِ والسُّنةِ لحسْمِ الخلافِ وبيان الحَقِّ يشبه بالخوارج، واللهُ تعالى يقول: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ [النساء: 59]، لكن ليس هذا بأعجبِ من تشبيهِه المخالفين له في فهمِ النصوصِ بالجهميةِ والمعتزلة وغيرِهم كما مَرَّ في كلامِه.

9- قال العباسي معقبًا على قولي: إنَّ حديثَ الخَثْعمية ليس فيه أنها كانتْ كاشفةً لوجهِها، قال عفا اللهُ عنه: «هذا يُذكِّرُنا بمذهبِ الظاهريةِ الذين يقفون عندَ حدودِ حرفيَّةِ الألفاظِ دونَ النظرِ في مراميها». وأقول:

أولاً: ليس هذا بأغربِ من تشبيهِنا بالجهميةِ ونحوِهم، وتشبيهنا بالخوارج، وهذه المرَّة شبَّهَنا بالظاهرية، هكذا أدبُ الحوارِ عندَ الشيخِ العباسي سامحَه الله.


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (4141)، ومسلم رقم (2770).