×
البيان لأخطاء بعض الكُتَّاب الجزء الثالث

وأمَّا قولك: «لا نحكُمُ بكفرِه ولا خروجِه من ملةِ التوحيد».

فنقولُ عنه: هذا ليسَ على إطلاقِه بل لابُدَّ من التَّفصيل، فمَن طافَ بالقبْرِ تقرُّبًا إلى الميتِ بالطوافِ والاستغاثةِ به فهذا شركٌ أكبرُ يُخرِجُ من المِلة؛ لأنَّ الطوافَ عبادة. قال تعالى ﴿وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ [الحج: 29]، فالطوافُ بالبيتِ عبادةٌ للهِ وامتثالٌ لأمرِه؛ ولذلك يلهجُ الطائفون بذكرِ اللهِ ودعائِه.

جاءَ في الأثر: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاَةٌ» ([1]) فالطوافُ عبادةٌ للهِ ومكانُها حولَ البيتِ العتيقِ خاصة، وأمَّا من طافَ بالقبرِ تقرُّبًا إلى اللهِ لا يَقصِدُ به الميتَ فهذا العملُ بدعةٌ ووسيلةٌ إلى الشِّرك؛ لأنه عبادةٌ في مكانٍ لم يُشرِّع اللهُ الطواف به.

وقياسُ الأستاذِ محمدٍ بنِ عبدِ الغفار: للطوافِ بالقبورِ لطلَبِ الحوائجِ بالطوافِ ببيوتِ المسئولين والأغنياءِ لطلبِ الحوائجِ فلا يُسمَّى شِرْكًا. نقولُ له: هذا قياسٌ مع الفارِقِ الكبير، فإنَّ الذهابَ إلى بيوتِ المسئولين والأغنياءِ الأحياءِ لطلبِ قضاءِ الحوائجِ منهم هو طلبٌ ممَّن يقدِرُ على قضاءِ حاجةِ السائل؛ لأنَّه حيٌّ حاضِرٌ قادرٌ فيكون مثل قولِه تعالى: ﴿فَٱسۡتَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِي مِنۡ عَدُوِّهِۦ [القصص: 15] وفي قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» ([2]) وأمَّا الميتُ فإنَّه قد انقطعَ عملُه بالموتِ فلا يقدِرُ على شيء: ﴿إِن تَدۡعُوهُمۡ لَا يَسۡمَعُواْ دُعَآءَكُمۡ وَلَوۡ سَمِعُواْ مَا ٱسۡتَجَابُواْ لَكُمۡۖ [فاطر: 14] وإذا كان الميتُ لا يستطيعُ أنْ يعملَ لنفسِه فكيفَ يعملُ لغيرِه.


الشرح

([1])أخرجه: النسائي رقم (2922).

([2])أخرجه: مسلم رقم (2699)