ويَعْرِفُ
حقَّ الضَّيْفِ كُلُّ مُعالِجِ *** السِّفارِ مُطيلِ الْجَوْبِ في كلِّ فَدْفَدِ
أَتَى
صَرَدًا واللَّيْلُ بَادٍ عُبُوسُهُ *** يَؤُمُّ سنَا نارٍ لِذِي
خَيْرِ مُوْقِدِ
*****
فلا حاجةً إِلى
الضِّيافة؛ لأَنَّ المسافرَ يجِد مأْوًى ويجِدُ الأَكْلَ والشُّرْبَ بالبيع، إلاَّ
إِذا لم يكنْ معه نُقودٌ فهذا يُسمَّى بابْنِ السَّبيل، وهذا له حقٌّ.
وقَولُه: «وعَجِّلْ
قِراهُ» هذا لقوله تعالى: ﴿فَرَاغَ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ فَجَآءَ بِعِجۡلٖ سَمِينٖ﴾ [الذاريات: 26]،
واقْتداءٌ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ لأَنَّ الضَّيْفَ في حاجةٍ إِلى
المبادرةِ، ولأَنَّ هذا يدلُّ على الكرم خلافَ الذي يتباطأُ ويَشُقُّ على
الضَّيْف. «وقُلْ مَرْحبًا في ذا بأَحْمَدَ فاقْتَدِ» يعني أَكْرِمْه بالفعل
وبالقول، بالفعل تُعجِّل قِراه، وبالقول تُرحِّب به، ولا تُقابله بوجهٍ عابسٍ أَوْ
مُكْفَهِرٍّ أَوْ مُتكدِّرِ، وإِكْرامُ الضَّيْفِ مِن علاماتِ الإِيْمان، قال صلى
الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ
فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» ([1]).
يعرف حقَّ الضَّيْف المُجَرِّبُ
الذي جرَّب الأَسْفارَ وأَصَابَتْه الحاجةُ، فإِذا نزَل به ضيفٌ فإِنَّه
يُكْرِمُه؛ لأَنَّه سبَق أَنَّه سافر وأَصَابتْه حاجةٌ، واحْتاج إِلى الضِّيافة،
فيعرف أَنَّ هذا الضَّيْفَ أَصَابَهُ مثلُ ما أَصَابَهُ.
يعني أَنَّ
الضَّيْفَ أَصابَهُ البَرْدُ الشَّديدُ، في ظُلْمة اللَّيْل ورَأَى نارًا فذهَب
إِلَيْها؛ لأَجْل أَنْ يستدفئَ، ولأَجْل أَنْ يحصُلَ على القِرا، يَصِفُ شِدَّةَ
حاجة الضَّيْف، كما قال الشَّاعر:
مَتى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ *** تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوْقِدِ
([1]) أخرجه: البخاري رقم (6135).