وكُنْ
عَالِمًا أَنَّ الشَّهادَةَ مَنْصِبٌ *** مِنَ الدِّينِ حِفْظًا
للْحُقُوقِ مِنَ الرَّدِ
وفِيهَا
صَلاَحٌ لِلْفَرِيْقَيْنِ حَقُّ ذَا *** يُصانُ وتُبْرَأْ ذِمَّةُ
الْمُتَجَحَّدِ
*****
لمَّا انتهى مِن
موضوعِ النَّذْر، انْتَقَلَ إِلَى موضوعِ الشَّهادة، والشَّهادةُ: هي الإِخْبارُ
عن شيءٍ حاصلٍ، والنَّاسُ يحتاجون إِلَيها بلا شكٍّ في الخصومات، وفي إِثْبات
الأَهِلَّة، وفي إِثْبات الطَّلاق، وإِثْباتِ الأَشْياءِ، الإِثْباتاتُ كلُّها
تحتاج إِلَى الشَّهادة، البيعُ والشِّراءُ، العقودُ تحتاج إِلَى الشَّهادة ﴿وَٱسۡتَشۡهِدُواْ
شَهِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ فَإِن لَّمۡ يَكُونَا رَجُلَيۡنِ فَرَجُلٞ
وَٱمۡرَأَتَانِ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَأَشۡهِدُوٓاْ إِذَا تَبَايَعۡتُمۡۚ﴾ [سورة البقرة: 282]،
فالنَّاس يحتاجون إِلَى الشَّهادة تحملاً وأَداءً، تحملاً عند العُقود، وأَداءً
عندَ الخصومات؛ لأَنَّه يتبيَّن بِها الحقُّ، ويحصُلُ بِها الحُكْمُ بين النَّاس،
والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ
عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ([1]) والبيِّنةُ: هي
الشُّهودُ، قال صلى الله عليه وسلم لرَجُلَيْنِ تَخَاصَمَا عندَه: «شَاهِدَاكَ
أَوْ يَمِينُهُ» ([2]). ولكنَّ الشَّهادةَ
لها أَحْكامٌ شرعيَّةٌ يجبُ معرفتُها.
لأَنَّ حقوقَ اللهِ
جل وعلا، وحقوقَ المخلوقين إِنَّما تَثْبُتُ بالشَّهادة، الحدودُ تَثْبُتُ
بالشَّهادةِ، القِصاصُ لا بدَّ مِن الشَّهادة، العقودُ والفسوخُ لا بدَّ مِن
الشَّهادات في كلِّ هذه الأُمورِ.
الشَّهادةُ فيها مصلحةٌ للمشهودِ له في حِفْظ حقِّه، وفيها مصلحةٌ للمشهودِ عليه لإِبْراءِ ذِمَّتِه مِن الظُّلْم، فأَنْتَ إِذَا شهدتَ على أَحَدٍ
([1]) أخرجه: بنحوه الترمذي رقم (1341)، والدارقطني رقم (4311)، والبيهقي رقم (16222).