×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الأول

وصْفًا وصِفَةً، مِثْلُ: وَعَدَ وَعْدًا وعِدَةً ووَزَنَ وزْنًا وزِنَةً، وَهُمْ يُطْلِقُونَ اسمَ المَصْدَرِ عَلَى المَفْعُولِ كَمَا يُسَمُّونَ المخلوقَ خلقًا، ويَقُولونَ: دِرْهَمٌ ضَرب الأميرَ، فإِذَا وصَفَ الموْصُوفَ بأَنَّه وسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رحمَةً وعِلْمًا، سُمِّيَ المَعْنَى الَّذِي وُصِفَ بِهِ بهَذَا الكلامِ صفةً، فيقَالُ للرَّحمةِ والعلمِ والقدرةِ: صِفَةٌ بهَذَا الاعتبارِ، وهَذَا حَقِيقةُ الأمْرِ.

ثُمَّ الكثيرُ منَ المعتزلةِ ونحوهِم يَقُولونَ: الوصْفُ والصِّفَةُ اسمٌ للكلامِ فقطْ مِنْ غيرِ أن يقومَ بالذَّاتِ القَدِيمةِ معانٍ، وكثيرٌ من المُتَكَلِّمَةِ الصِّفَاتِيَّةِ يفرِّقُونَ بينَ الوصفِ والصِّفَةِ، فيَقُولونَ: الوصفُ هو القولُ، والصِّفةُ المعنى القَائمُ بالموصوفِ، وأَمَّا المحقِّقونَ فيعلمونَ أنَّ كُلَّ واحدٍ من اللَّفْظَيْنِ يُطْلَقُ عَلَى القولِ تارةً وعَلَى المعنى أُخْرَى، والقرآنُ والسُّنَّةُ قد صرَّحَا بثبوتِ المعانِي الَّتِي هي العلمُ والقدرةُ وغيرُهَا كَمَا قدَّمْنَاهُ.

وأَمَّا لفظُ الذَّاتِ فإِنَّها فِي اللُّغةِ تأنيثُ ذو، وهَذَا اللَّفظُ يُستَعْمَلُ مُضَافًا إلى أسماءِ الأجْنَاسِ يتوصَّلُونَ بِهِ إِلَى الوصفِ بِذَلِكَ، فيقالُ: شخصٌ ذو علمٍ وقدرةٍ وسلطانٍ ونحوِ ذلكَ، وقَدْ يُضَافُ إلى الأعلامِ كقولِهِمْ: ذو عمروٍ وذو الطِّلاَعِ، وقولُ عمر: الغنيُ بلالٌ و ذَوُوهُ، فلمَّا وجدُوا اللهَ قَالَ فِي القرآنِ: {تَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِي وَلَآ أَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِكَۚ [المائدة: 116] ، {وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ [آل عمران: 28] ، {كَتَبَ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَۚ [الأنعام: 12] ؛ وصفوهَا فقَالُوا: نفسٌ ذات علمٍ وقدرةٍ ورحمةٍ ومشيئةٍ ونحوِ ذلك، ثُمَّ حذفوا الموصوفَ وعرَّفُوا الصِّفَةَ فقَالُوا: الذاتُ، وهي كلمةٌ مولَّدَةٌ ليستْ قديمةً، وقَدْ وُجِدتْ فِي كلامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لكنْ بمعنًى آخَرَ، مثل: قولُ خُبَيْب الَّذِي فِي «صحيحِ البخاريِّ» ([1]):


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (3045).