ولكن لمَّا
كَانَ معناه هُوَ الأوَّلُ أنكرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قوله: «وَنَسْتَشْفِعُ بِاللهِ عَلَيْكَ»،
ولَمْ ينكرْ قوله: «نَسْتَشْفِعُ بِكَ
عَلَى اللهِ»؛ لأنَّ الشَّفيعَ يسألُ المَشفُوعَ إِلَيْهِ أن يقْضِيَ حَاجةَ
الطَّالبِ، واللهُ تَعَالَى لا يَسأَلُ أحدًا من عِبَادِه أن يَقْضِيَ حَوائِجَ
خلْقِه، بل هُوَ سُبْحَانَهُ المسئولُ المدعو الَّذِي يسأله كُلّ من في السَّمواتِ
والأرضِ، ولكن هُوَ تَبَارَكَ وتعَالى يأمُرُ عبَادَه فيُطِيعُونه، وكُلّ من وجبت
طَاعَته مِنَ المخلوقين فإنَّمَا وجبت؛ لأنَّ ذَلِكَ طاعَةٌ لله تَعَالَى،
فالرُّسُلُ يبَلِّغُون عَنِ اللهِ أمْرَهُ فمن أطَاعَهُم فقَدْ أطاعَ الله، ومن
بايعهم فقَدْ بايعَ الله، والشَّافِعُ سائلٌ لا تجِبُ طَاعته في الشَّفاعة وإن
كَانَ عَظِيمًا، وفي الحديثِ الصَّحيحِ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سألَ
بريرةَ أن تُمْسِكَ زوجَها ولا تُفَارِقْه لمَّا أُعتِقَت، وخيَّرها النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم فاختارت فِرَاقَه وكَانَ زَوْجُها يُحِبُّها، فجعَلَ يَبْكِي،
فسَأَلَها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أن تُمْسِكَه فقالَتْ: أتَأْمُرُنِي؟
فقَالَ: «لاَ إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ»،
وإِنَّمَا قالَت: أتَأْمُرُنِي، وقَالَ: إِنَّمَا أنا شَافِعٌ ([1])؛ لمَا استَقَرَّ عِنْدَ المُسْلِمِينَ أنَّ طاعَةَ
أمْرِه واجِبةٌ بخلافِ شفَاعَتِه، والخالِقُ جل وعلا أمرُهُ أعْلَى وأجَلّ من أَنْ
يَكُونَ شافعًا إِلَى مخلوقٍ، بل هُوَ سُبْحَانَهُ أعلى شأنًا من أن يشفعَ عنده
أحَدٌ إلاَّ بإِذْنِه.
ودلَّ الحديثُ المتقدِّمُ عَلَى أنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم يُسْتَشْفعُ به إِلَى اللهِ عز وجل ؛ أي: يُطْلَبُ منه أن يَسْأَلَ رَبَّهُ الشَّفاعَةَ في الدُّنْيَا والآخرةِ، فيطلبُ منه الخَلْقُ الشَّفاعَةَ في أن يَقْضِيَ اللهُ بينهم، وفي أن يدْخُلُوا الجَنَّةَ، ويشْفَعُ في أهْلِ الكبَائِرِ من أُمَّتِه، ويشفعُ فيمن يستَحِقُّ النَّارَ أن لا يَدْخُلَها، ويشفعُ في بَعْضِ من دخَلَها أن يَخْرُجَ منها، فأمَّا التوسُّلُ بذاتِه في
([1])أخرجه: البخاري رقم (5283).
الصفحة 4 / 471
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد