وكَذَلكَ أيضًا كُلُّ ذِي
حِسٍّ سَليمٍ يُحِبُ الحُلوَ إلاَّ أَنْ يَعْرِضَ فِي الطبيعَةِ فَسَادٌ يَحْرِفُه
حتَّى يَجْعلَ الحُلْوَ فِي فَمِه مُرًّا.
ولا يَلزَمُ مِن كونِهم مَولُودينَ عَلَى الفِطرةِ أَنْ يَكُونُوا حِينَ الوِلادَةِ مُعتَقِدينَ للإسَلامِ بالفِعلِ؛ فإنَّ اللهَ أَخْرَجنَا مِن بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا لا نعَلَمُ شَيْئًا، ولكنَّ سَلامَةَ القَلْبِ وقَبُولِهِ وإرَادَتِهِ للحَقِّ الِّذِي هُو الإسلاَمُ بِحَيثُ لَو تَرَكَ مِنَ العِلميةِ التي تَقْتَضِي بِذَاتِهَا الإسلامَ مَا لم يَمْنَعْهَا مانِعٌ هِي فِطرَةُ اللهِ التي فَطَرَ الناسَ عَلَيها، وأَمَّا الحَدِيثُ المَذْكُورُ يَعْنِي فِي السؤالِ وهُو قولُه: «الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ» ([1])، فقد صَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنه كَانَ يَقُولُ: الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيرِهِ ([2])، وفِي الصَّحِيحَينِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا يُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ» ([3])، وهَذا عَامٌّ فِي كُلِّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، قد عَلِمَ اللهُ سُبْحَانَهُ بِعِلْمِه الذِي هُو صِفَةٌ له الشَّقِيَّ مِن عِبَادِهِ والسعيدَ، وكَتَبَ سُبحَانَهُ ذَلِكَ فِي اللَّوحِ المَحْفُوظِ ويَأمُرُ المَلَكَ أَن يَكْتُبَ حَالَ كُلِّ مَولُودٍ؛ ما بَينَ خَلقِ جَسَدِهِ ونَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ إِلَى كِتَابٍ آخَرَ يَكْتُبُهَا اللهُ لَيسَ هذا مَوضِعَهَا ومَن أَنْكَر العِلمَ القَديِمَ فِي ذَلكَ فَهُوَ كَافِرٌ.
([1])أخرجه: مسلم رقم (2645).