×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 بقدر ما يصلح له السجود، ومَنْ سِوَاهم فقد سجد لهم من الملائكة للأب الأقوم ومن البهائم للابن الأكرم.

وأما قولهم: لم يسبق لآدم ما يوجد الإكرام له بالسجود؛ فلغو من القول، هذا إلى ما به من اعتزال الجماعة؛ فإن نعم الله تعالى وأياديه وآلاءه على عباده ليست بسبب منهم؛ فهو المنعم بذلك السبب.

وقوله: {وَلَهُۥ يَسۡجُدُونَۤ۩[الأعراف: 206]؛ فإنه إن سُلِّم أنه يفيد الحَصْر فالقصد منه - والله أعلم - الفصل بينهم وبين البشر الذين يشركون بربهم ويعبدون غيره؛ فأخبرهم أن الملائكة لا تعبد غيره، ثم هذا عامٌّ، وتكون الآية خاصة؛ فيُستثنى آدم، ثم يقال: السجود على ضربين: عبادة مَحْضة، وسجود تشريف، فأما الأول فلا يكون إلاَّ لله، والآية محمولة عليه.

ثم أجاب الشيخ رحمه الله عما جاء في السؤال: هل سجد لآدم ملائكة السماء والأرض أم ملائكة الأرض خاصة؟ بأن ظاهر الكتاب العزيز أنه سجد له عموم الملائكة؛ فإن الاسم المجموع المُعَرَّف بالألف واللام يوجب استيعاب الجنس، قال تعالى: {وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ[البقرة: 34]؛ فسجود الملائكة يقتضي جميع الملائكة، هذا مقتضى اللسان الذي نزل به القرآن؛ فالعدول عن مُوجِب القول العام إلى الخصوص لا بد له من دليل يصلح له، وهو معدوم.

ثم قال: وقد بلغني عن بعض السَّلَف أنه قال: ما ابتدع قوم بدعة إلاَّ في القرآن ما يردها، ولكن لا يعلمون، فلعل قوله: {كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ[الحجر: 30] جيء به لزعم زاعم يقول: إنما سجد له بعض الملائكة لا كلهم، وكانت هذه الكلمة ردًّا لمقالة هؤلاء، ومن اختلج


الشرح