يُخالفون عمرَ وعثمانَ وعليًا في كثيرٍ من أقوالِهم، ولم
يُعرَفْ أنَّهم خالفوا أبا بكر في شيءٍ ممَّا كان يُفتي فيه ويَقضي، وهذا يدُلُّ
على غايةِ العلم.
وقد قام مقامَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأقامَ الإسلامَ
فلم يُخِل بشيءٍ منه، بل أدخلَ الناسَ من البابِ الذي خرجوا منه مع كثرةِ
المخالفين من المُرتَدِّين وغيرِهم وكثرةِ الخاذلين، فكمل به من علمِهم ودينِهم ما
لا يُقاوِمه فيه أحدٌ حتى قام الدِّينُ كما كان، وكانوا يُسمُّون أبا بكر خليفةَ رسولِ
الله صلى الله عليه وسلم ثم بعد هذا سَمُّوا عمرَ وغيرَه أمير المؤمنين، قال
السُّهيلي وغيرُه من العلماء: ظاهر قولُه: {لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ
مَعَنَاۖ﴾[التوبة: 40] في أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثم انقطع هذا الاتصال اللفظي بموته فلم يقولوا لمن بعده: خليفة رسول الله.
وأيضًا فعلي بن أبي طالب تعلم من أبي بكر بعض السنة بخلاف أبي بكر فإنه لم يتعلم من علي بن أبي طالب؛ كما في الحديثِ المشهورِ الذي في السُّنن حديثِ صلاةِ التوبةِ عن علي قال: كنتُ إذا سمعتُ من النَّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا ينفعُني اللهُ به بما شاء أن ينفعني، فإذا حدثني غيره استحلفته فإذا حلفَ لي صدقْتُه، وحدثني أبو بكر - وصدق أبو بكر - عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٌ يُذْنِبُ ذَنْبًا، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَسْتَغْفِرِ الله إلاَّ غَفَرَ اللهُ لَه» ([1])، وممَّا يُبينُ لك هذا أن أئمةَ علماءِ الكُوفة الذين صحِبوا عمرَ وعليًا كعلقمةَ والأسودِ وشُرَيْحٍ القاضي وغيرِهم؛ كانوا يُرجِّحون قولَ عمرَ على قولِ علي، وأما تابعو أهلِ المدينةِ ومكةَ والبصرةَ فهذا عندَهم
([1])أخرجه: أبو داود رقم (1521)، والترمذي رقم (3006)، وابن ماجه رقم (1395).