×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

بل هذا خلاصة الدعوة النبوية وزبده الرسالة الإلهية؛ فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إِيمَان ورحمة، أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم على غاية التمام؟

ثم إذا كان قد وقع ذلك منه فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب زائدين فيه، أو ناقصين عنه، ثم من المحال أيضًا أن تكون القرون الفاضلة - القرن الذي بعث فيه رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - كانوا غير عالمين، وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين؛ لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول، وإما اعتقاد نقيض الحق، وقول خلاف الصدق، وكلاهما ممتنع.

ثم بين الشيخ رحمه الله وجه امتناع ذلك فقال: أما القول - وهو ألاَّ يكون رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قد بين - فلمن في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم، أو نهمة في العبادة، يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه، ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده وأعظم مطالبه، أعني بيان ما ينبغي اعتقاده، لا معرفة كيفية الرب وصفاته، وليست النفوس الصَّحيِحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر.

وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجودية؛ فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضى الذي هو من أقوى المقتضيات، أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم؟ هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق وأشهرهم إعراضًا عن الله وأعظمهم انكبابًا على طلب الدنيا والغفلة عن ذكر الله تعالى، فكيف يحق في أولئك؟

وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق أو قائليه، فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم، انتهى ما نقلناه من كلام الشيخ رحمه الله


الشرح