أنْ يقرِنَ بخطابِه ما يصرِفُ القلوبَ عن فهم المعنى الذي لم
يرِدْ، لا سيَّما إذا كان باطلاً لا يجوزُ اعتقادُه في الله، فإنَّ عليه أنْ ينهاهم
أن يعتقدوا في اللهِ ما لا يجوزُ اعتقادُه إذا كان ذلك مخوفًا عليهم، ولو لمْ
يُخاطِبْهم بما يدُلُّ على ذلك؛ فكيفَ إذا كان خطابُه هو الذى يدلُّهم على ذلك
الاعتقادِ الذين تقول النفاة: هو اعتقادٌ باطل، فإذا لم يكُنْ في الكتابِ ولا
السُّنَّةِ ولا كلامِ أحدٍ من السَّلفِ والأئمةِ ما يُوافِقُ قولَ النُّفاةِ
أصلاً، بل هم دائمًا يتكلمون بالإثبات؛ امتنع حينئذٍ ألاَّ يكونَ مُرادُهم
الإثبات، وأنْ يكونَ النفيُ هو الذي يعتقدونه ويعتمدونه وهم لم يتكلموا به قط، ولم
يُظْهروه وإنما أَظْهروا ما يُخالِفُه ويُنَافيه، وهذا كلامٌ مُبَينٌ لا مخلصَ
لأحدٍ عنه.
هذا وما زال كلامُ الشيخِ رحمه الله في الوجهِ الأولِ من وجوهِ
إثباتِ عُلُوِّ اللهِ على عرشِه، ومُنَاقَشَتِه لنُفَاةِ العُلُوِّ من خلالِ
مبَاحثِ هذا الوجه.
الوجه الثاني في وُجُوبِ الإقرارِ بالإثباتِ لعُلُوِّ اللهِ على
عرشِه وعلى السماواتِ، أن يقال: من
المعلومِ أنَّ اللهَ تعالى أكملَ الدِّينَ وأتمَّ النعمةَ وأنَّ اللهَ أنزلَ
الكتابَ تبيانًا لكلِّ شيء، وأنَّ معرفةَ ما يَستحقُّه اللهُ وما يُنزَّه عنه هو
من أجَلِّ أمورِ الدِّين، وأعْظَمُ أصولِه، وأنَّ بيانَ هذا وتفصيلَه أولى من كلِّ
شيء؛ فكيفَ يجوزُ أن يكونَ هذا البابُ لم يُبيِّنْه الرسولُ صلى الله عليه وسلم
ولم يفصِّلْه، ولمْ يُعلِّمْ أمَّتَه ما يقولون في هذا الباب؟ وكيف يكونُ الدِّينُ
قد كمُلَ وقد تُرِكُوا على الطريقةِ البيضاء، وهم لا يدرون بماذا يعرفون ربَّهم؛
أبما تقولُه النفاةُ أو بأقوالِ أهلِ الإثبات؟
الوجه الثالث: كلُّ
من فيه أدنى محبةٍ للعلمِ أو أدنى محبةٍ للعبادةِ لا بُدَّ أنْ يَخطُرَ بقلبِه هذا
الباب، ويقصد فيه الحق ومعرفة الخطأ من