×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

والناسُ في آخِرِ الليلِ يكونُ في قلوبِهم من التَّوجهِ والتقرُّبِ والرِّقة ما لا يوجدُ في غيرِ ذلك الوقت، وهذا مناسبٌ لنزوله إلى السماء الدنيا، وقوله: «هَلْ مِنْ دَاعٍ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟» ([1]) ثم إن هذا النزول هل هو كدنوِّه عشية عرفة معلق بأفعال؛ فإن في بلادِ الكفرِ ليسَ فيهم من يقوم الليل فلا يحصل لهم هذا النزول، كما أن دنوه عشية عرفة لا يحصل لغير الحجاج في سائر البلاد، إذ ليس لها وقوف مشروع ولا مباهاة الملائكة.

وكما أنَّ تفتيحَ أبوابِ الجَنَّة، وتغليقَ أبوابِ النَّار، وتصْفيدَ الشياطين إذا دخلَ شهرُ رمضانَ إنما هو للمسلمين الذين يصومُونه، لا الكفار الذين لا يرونَ له حُرْمة، وكذا اطلاعه يومَ بدر، وقوله لهم: «اعملوا ما شئتم» ([2]) كان مختَصًا بأولئك أم هو عام؟ فيه كلام.

والكلامُ في هذا القربِ من جنسِ الكلامِ في نزولِه كلَّ ليلة، ودُنُوِّه عَشِيَّة عرفَة، وتكليمه لموسى من الشجرة، وقوله: {أَنۢ بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنۡ حَوۡلَهَا[النمل: 8].

ثم ذكر الشيخ رحمه الله مسألة، هل يخْلوا منه العرشُ حينَ نزولِه سبحانه إلى سماءِ الدُّنيا أو لا يخلوا أو يتوقف في ذلك؟ ثم قال: والصوابُ قولُ السَّلف: إنه ينزلُ ولا يخلو من العرش، وروحُ العبدِ في بدنِه ليلاً نهارًا لا تزالُ إلاَّ أنْ تموت، ووقتُ النومِ تعرُج، وقد تسجدُ تحتَ العرش، وهي لمْ تفارقْ جسدَه، وكذلك أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربِّه،


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (1145)، ومسلم رقم (758).

([2])أخرجه: البخاري رقم (2845)، ومسلم رقم (2494).